رئيس التحرير
عصام كامل

الجورنالجية.. سليم وبشارة تقلا بناة "الأهرام" وجورجي زيدان استطلع "الهلال"

نقابة الصحفيين
نقابة الصحفيين

يخطئ من يظن أن ولادة الصحافة المصرية كانت سهلة، ووصولها إلى القمة تطلب جهدًا فوق العادة، وهو ما يرجع الفضل فيه إلى عدد من رواد الصحافة الأقباط، لذلك كان طبيعيًا أن تبقى أسماء مؤسسى كبرى الصحف محفورة في أذهان الجميع، فلم تستطع السنوات ولا القرون أن تمحى من الذاكرة علامات بحجم "سليم وبشارة تقلا وجورجى زيدان"، فهم من خرجت من تحت أيديهم أشهر الوجبات الصحفية، وشيّدوا كبرى المؤسسات، التي ظلت تدين لهم بالفضل حتى بعد أن وارى التراب أجسادهم.


الأهرام والإخوان
يبقى دائمًا شعار الثلاثة أهرامات المميز لأكبر الصحف والشرق الأوسط شاهدًا على إنجازهم، فما إن يمسك قارئ بجريدة الأهرام أو يمر من أمام مبناها العملاق بشارع الصحافة حتى يتذكر على الفور الأخوين "سليم وبشارة تقلا"، كونهما أول من أصدرا العدد الأول من جريدة الأهرام في 5 أغسطس 1876 في المنشية بالإسكندرية، لتعلن عن أكبر مدرسة صحفية تخرج فيها رواد القلم.

سليم تقلا
كان شابًا في السادسة والعشرين من عمره عندما استقر به الحال في الإسكندرية عام 1874 قادمًا من بلده لبنان، وتحديدًا من "كفر شيما"، تاركًا عمله كمدرس للغة العربية في مدرسة البطريركية، حاملًا بين جنباته حلم إنشاء مطبعة تمهيدًا لإصدار جريدة "الأهرام"، بعد أن سمع عن النهضة التي يسعى الخديوِ إسماعيل لتحقيقها في وادي النيل آنذاك، ليخطو مع أخيه الذي لحق به أولى خطوات حلمهما المشترك بإنشاء المطبعة التي تخصصت في البداية في طبع المطبوعات الأدبية والتجارية.

وبعد مرور عدة أشهر تقدم "سليم" بطلب للدولة للسماح له بإصدار جريدة "الأهرام"، التي كان مخططًا لها الابتعاد عن القضايا السياسية، ليصبح الحلم حقيقة بإصدار العدد الأول في 5 أغسطس 1876، عبر جريدة أسبوعية، "كل سبت"، مكونة من أربع صفحات.

واختص سليم تقلا بتحرير المقالات المختلفة وإدارة الجريدة من الناحية الأدبية، تاركًا لأخيه بشارة الترجمة عن الصحف الأجنبية، والاتصال بالقنصليات والوكالات المسئولة عن جمع الأخبار، فضلًا عن إدارة الجريدة.

لكن لم يمر وقت طويل حتى حنثت "الأهرام" بالوعد الذي قطعته على نفسها، فتحولت إلى نقد الخديو إسماعيل، الذي أصدر قرارًا بإيقافها، لتستمر على هذا الحال حتى خلفه الخديو توفيق في الحكم.

وبعد خمس سنوات من صدورها تم تحويلها لجريدة يومية، قبل أن يتوفى "سليم" عام 1892 دون أن يتجاوز الثالثة والأربعين من عمره.

بشارة تقلا
الأخ الأصغر لسليم ولد بعده بثلاث سنوات، لكن لم يكن غريبًا أن يسير على خطاه، فعمل مثله في التدريس قبل أن يلحق به في القاهرة ليشاركه حلمه، حتى تم تأسيس "الأهرام" وتحويلها إلى جريدة يومية.

سلسلة الحوارات التي أجراها بشارة مع رجال السياسة في أوربا عام 1884 كانت بداية لتأسيس فن "الحوار الصحفي"، إضافة إلى أنه أكمل بعد رحيل أخيه مسيرته في تطوير "الأهرام"، ونقل مقرها إلى القاهرة في 1899، إلا أن القدر لم يمهله كثيرًا فتوفي بعدها بعامين فقط، لتكمل زوجته وابنه مسيرة الأخوين بدءًا من عام 1901.

جورجي زيدان
مثلما لم يمنع فقدان البصر "طه حسين" من أن يسطر اسمه في سجل كبار الكتاب، لم يمنع الفقر "جورجى زيدان" من أن يكون أحد أعلام الصحافة المصرية في بلد غير بلده.

"زيدان" ولد في بيروت عام 1861، لأسرة مسيحية فقيرة، فوالده كان يملك مطعمًا صغيرًا، لكنه أرسله للمدرسة ليتعلم الكتابة والحساب ليساعده في عمله، ورغم أنه لم يكمل تعليمه فإنه التحق بمدرسة "الشوام" لتعلم الفرنسية، والتحق بمدرسة مسائية لتعلم الإنجليزية.

لم يكتف جورجى زيدان بما تيسر له من قدر ضئيل من التعليم، فوثق علاقاته برجال الأدب ببيروت لينهل من بحر علمهم، وهو ما أحيا بداخله حلم استكمال دراسته، فعكف ثلاثة أشهر على الدراسة حتى تمكن من النجاح في اختبارات كلية الطب، لكنه لم يحبها وانتقل لدراسة الصيدلة.

ولأنه كان يعشق مصر رغم ضيق الحال، اقترض جورجى من جاره ستة جنيهات من أجل تغطية تكاليف السفر، على أن يردها حينما تتيسر أحواله، ليصل إلى القاهرة 1883، وبدأ معها أولى تجاربه الصحفية حينما عمل محررًا بصحيفة "الزمان" اليومية التي كان يملكها "علكسان صرافيان"، وظل يتدرج ويتنقل بين ( القاهرة وبيروت ولندن) حتى استقر به المطاف في القاهرة، وتولى إدارة مجلة "المقتطف" لمدة عام ونصف العام.

وفى 1891 حقق "زيدان" مع نجيب مترى حلمه في إنشاء مطبعة، وسماها "الهلال"، لكن الشراكة بينهما لم تستمر أكثر من عام واحد، بعدها استقل بالمطبعة، ليؤسس في 1892 مجلة الهلال التي قام بتحريرها بنفسه، حتى صارت واحدة من أشهر المجلات في مصر، ليغادر بعدها الدنيا عام 1914.
الجريدة الرسمية