رئيس التحرير
عصام كامل

الهمجي الصالح


من قبائل بربرية همجية لا تعرف معني للحياة المدنية إلي دعاة حضارة وتقدم يذبحون باسم الحرية ويستعبدون البشر باسم الديمقراطية، نعم إنها الحقيقة التاريخية المبهمة والتي أخفيت علي مدار السنوات الطويلة الماضية ودفنت مع بقايا خرائب الإمبراطورية الرومانية حين تفككت وصارت في حالة استباحة كاملة من الشعوب الهمجية الغارقة في أعماق الجهل والعشوائية، أمثال الأنجلز والساكسون والقوط والجيرمان واليمبارد هؤلاء الذين استباحوا حدود الإمبراطورية.


وقد حذر منهم كثيرا الإمبراطور الروماني العظيم تراجان حين وضع حدودا جغرافية صريحة وقام هادريان ببناء السور الشمالي لمنع هؤلاء من التغلغل إلي الأراضي الرومانية، ولكن كان للتاريخ كلمته حين انتصف القرن الخامس الميلادي وسقطت روما وتربع هؤلاء علي عروشها الخاوية وبدأ عصر الظلام الذي غرقت فيه أوربا بأكملها حين سقطت القراءة من ذاكرة الإنسان ومعها ماتت المعارف والعلوم التي أخذ الإنسان القديم يجمعها علي مدار آلاف السنين .

فتكدست المخطوطات العلمية والمعرفية في سراديب القصور الإقطاعية منسية مهملة حتي فقدت أسباب وجودها وتحولت إلي ركام يشهد علي تخلف الإنسان الذي لازم أوربا لأكثر من ٩٠٠ سنة تجلت فيهم كل مظاهر الخرافة والشعوذة متجسدة في الفكر الكاثوليكي المتحجر والمتسلط علي مصائر النفوس البشرية الذي استعبدها باسم المسيح.. فصار البابا إلها علي الأرض يعتق من يشاء ويهلك من يشاء، فانحصرت الثقافة والحرية الإنسانية وتحولت أوربا إلي خندق كبير يحوي نفوسا بائسة لا تملك مصيرها، أجسادا بلا حياة تساق كالقطيع الأعمي علي ضفاف أنهار الدماء في أوربا الشرقية تارة وفي الشرق الأوسط تارة أخري.

فقد الآلاف من الناس حياتهم وحرياتهم وصارت عائلات بأكملها تحت وطأة الأسر والقهر فتفككت الأواصر العائلية وتحولت القلاع الصليبية إلي مدن صغيرة تعيش فيها الأسر المهلهلة لتخدم رغبات الفرسان والجيوش المرتحلة فانهارت القيم الأخلاقية التي وضعها تلاميذ المسيح حين بشروا بالإنجيل في أوربا وتوغل الجنس والرذيلة وضرب شرف الأسرة في مقتل .

وبعد أن استيقظت أوربا من هذا الجحيم مع النصف الثاني من القرن الخامس عشر.. حين اخترعت الطباعة في هولندا وانتقلت منها إلي باقي أوربا.. فبدأت القراءة تعود مرة أخري إلي الحياة وعاد معها الفكر البشري ليتأهب وينمو.. فثارت النفوس علي الكنيسة الفاجرة وظهرت الحركات التي أبغضت البابا وحلقت منفردة بعيدا عن ذلك السرب الوثني والمتمثلة في مارتن لوثر ودومونيك وريكالدي وفرنسيس هؤلاء الذين ثاروا ومثلوا طليعة الفكر الجديد والذي لازمه التحرر من الإقطاع والعبودية فتفجرت الثورات الشعبية علي أمراء الإقطاع .

وساد الاعتقاد أن أوربا تتحرر.. إلا أن التاريخ أثبت أنها خرجت من حقبة الظلام لتدخل في حقبة الدماء.. حقبة الحرب والنار.. حقبة المقصلة والمدفع.. فخرج من رحم الثورات الشعبية سافكو دماء كروبسبير ونابليون بونابرت الذي أراق الدماء في كل أنحاء العالم تقريبا حتي تم التخلص منه ونفيه وتم قطع رقبة روبسبير بالمقصلة.. وتوهم العالم الغربي أن الرحمة سوف تسود.. إلا أن القادم كان مريرا وداميا ولا يمكن أن يوصف بأقل من كلمة الجحيم الحقيقي.. فقد عاد البربري إلي همجيته وتربع الرصاص علي عرش السيف ودارت طواحين المعارك الحربية تحصد من رقاب البشر أعدادا لم تعهدها البشرية في كل تاريخها فأكثر من ٩٠ مليون إنسان ذبح ذبحا في أقل من نصف قرن، واليوم هم يدعون أنهم الأكثر إنسانية والأكثر ديمقراطية !!! .
الجريدة الرسمية