رئيس التحرير
عصام كامل

"بودة".. ناشط بلا سبوبة


التطور الطبيعى للقب "ابن الحتة" فى زمن التمويل هو مسمى "ناشط"، لا يحصل عليه أو يتمتع بمزاياه سوى القادر على تضفير علاقاته وضبط أبعادها لضمان ظهير يقى به نفسه تقلبات الزمن، والاستثناء ضعيف وقليل، ليظل "ابن الحتة" رمزاً محلياً مختبئاً، تحت التراب شهيداً أو خلف القضبان معتقلاً وسجيناً للخلاص من صدق أعماله ونواياه.


الحقيقة هكذا، تؤكدها 3 سنوات من عمر الثورة التى ربح منها كثيرون على حساب "ابن الحتة" القادر على دعم وتأييد أهله وجيرانه ورفاقه المظلومين المقهورين، ومواجهة الذل والطغيان معهم وبهم دون حدود، وكلما بحث نخبويون عن مكان لهم بين فقراء مستهدفين ساعة انتخابات أو استفتاءات، ذهبوا إليه طالبين دعمه لهم ورضاه، وعند آلامه وأزماته، يتقمص الجميع شخصية "عبده العبيط" ويصدرون له "الطارشة" حسب تعبيرات أولاد البلد، وربما يزايدون عليه فى أزماته ليتهمونه بأبشع مما يناله من اتهامات جائرة.

المقدمة السابقة تنطبق حرفياً، حسب شهادات شباب منطقة بولاق وماسبيرو الذين شرفت بمعرفتهم ومعايشتهم، على الشاب "الجدع" عبد الرحمن عبد اللطيف الشهير بـ"بودة"، والمقبوض عليه باتهامات لا أعتقد بصحة إحداها، بعد أن عرفته وعايشت شيئاً من نضاله معهم لأجل قضايا المهمشين المستهدفين بالتهجير والإخلاء القسرى فى ماسبيرو وأولاد على وبولاق، تلك المنطقة التى تظل مطمعاً لحيتان الفساد فى حكومات متعاقبة بثيابها الرأسمالية الطفيلية والتجارية بائعة الدين، لتحقيق إرادة أصحاب رءوس الأموال فى إعادة رسم الواجهة النيلية وتغيير ملامح العاصمة خلال سنوات لتصبح "قاهرة خالية من الفقراء".

ولما كانت لظروف الثورة تداعياتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكثيرين، افتقد "بودة" عمله الأساسى، فنى تبريد وتكييف، ليبحث عن لقمة عيش حلال بين طرقات منطقته، فلجأ كغيره إلى عمل كشك لبيع المشروبات الساخنة والباردة للمترددين على مواقف السرفيس والأتوبيس وحافلات السياحة والسفر قرب ميدان عبد المنعم رياض، وأثمرت قدرته على إدارة مشروعه "العشوائى" خيراً استهدف به "أولاد حتته" بالشيخ على، فعملوا معه لقاء أجر عادل لم يحصلوا عليه عند رجل أعمال أو تاجر أكبر، حتى أن عمال خدمات شركة سياحة مجاورة لـ"نصبة الشاى" طلبوا العمل طرفه، بعد أن لمسوا فى أخلاقيات الشاب اليسارى الهوى عدالة حقيقية.

انتهى المشهد سريعاً بافتعال مشاجرة بين القائمين على الشركة و"بودة" بسبب شعورهم بـ"تقلب" مزاج عمالهم الباحثين عن كرامة والمعجبين بـ"الجدع البولاقى"، الذى طالما شهدت أرض منطقته نضاله ضد نظام مبارك وحيتانه، ولم تفلح تلفيقات الإخوان له فى مارس 2013 فى إثنائه عن الإطاحة بحكمهم الجائر باسم الدين، رغم أن ركبتيه صارتا أشبه برغوة الصابون جراء إصاباته المتكررة فى معارك أهل منطقته ضد بلطجية الجماعة الإرهابية بعد الإطاحة بمرسى وحكم مرشده أو قبلها فى اشتباكات استهدفت شباب الثورة ببولاق المدافعين عن أرضهم وبيوتهم ووطنهم خلال موجاتها.

14 حزبا وحركة اكتفوا ببيان إدانة لحبس "بودة"، وتطوع صحفيون مبتدئون لوصفه بـ"الإخوانى الإرهابى"، وأنكر وجوده تماماً محامو المنظمات الحقوقية والنشطاء حسب كلام الزميل الصحفى رامز صبحى لى، فلم ترسل منظمة واحدة محامياً يتبنى قضيته، عدا تطوع محام شاب للدفاع عنه، ولم يحظ "بودة" بضجة نالها رموز حركات ومؤسسات حقوقية وإعلامية وأحزاب أخرى، حتى إن أحد المحامين "النشطاء" الباحثين عن مصالحهم داخل منطقة بولاق روج لاتهامات ملفقة لـ"بودة" فى محاضر الشرطة دون احترام لمبدأ براءة المتهم حتى ثبوت إدانته.

"بودة" نموذج لابن "الحتة" والثورة الحقيقية الداعية للعيش والحرية والعدالة والكرامة، وبقاء أمثاله خلف القضبان فى قضايا تحمل أوراقها روح الانتقام والتشويه لثائر حقيقى بلا سبوبة، عار على مدعي الثورية ومرتدى ثياب النضال والمتاجرين بهموم المصريين، قبل أن يكون عاراً على نظام يدعى سعيه لتطهير أجهزته ومؤسساته من الفاسدين والمفسدين والملفقين.
الجريدة الرسمية