فلسطينيات ينافسن الرجال في عالم "البزنس"
نجحت نساء غزاويّات في تحقيق أحلامهن والعمل في مجالات كانت حكرا على الرجال كقطاع السياحة وإدراة الأعمال، فدخلن بقوّة سوق العمل وفرضن أنفسهن، متحديات بذلك مختلف العقبات في قطاع غزة المحافظ اجتماعيًا وتحكمه حركة إسلامية.
تجلس خلف مكتبها وترد على الهاتف الذي لا يكف عن الرنين، تطلب من المتصل بها معاينة البضائع التي وردت إلى المخزن، ثم تتصل بالسكرتيرة لتطلب منها طباعة بعض الأوراق، بعدها تتابع مع مسئول الحسابات عن السيولة المالية ونسب التحصيل ودفع الفواتير المستحقة وغيرها من الأمور.
هيفاء شراب (66 عامًا) هي إحدى النساء القلائل اللواتي نجحن في عملهن في مجال الاقتصاد الأعمال في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها قطاع غزة، وتعمل المرأة الفلسطينية بجد ودون كلل أو ملل لساعات طويلة يوميًا، وكلها حرص على متابعة أدق التفاصيل، دون حصولها على أي شهادة علمية.
بداية المشوار
عربية زارت سيدة الأعمال هيفاء شراب في شركتها لاستيراد وبيع الأدوية بمدينة غزة. وعن كيفية دخولها عالم الأعمال، تقول إن ذلك كان عندما رافقت زوجها، وهي 17 من عمرها، إلى مدينة فينا النمساوية عندما كان يدرس الصيدلة هناك آنذاك. وكانت حينها تقرأ الكتب التي كان يدرسها زوجها في الجامعة، ممّا أكسبها معرفة في مجال الصيدلة وساعدها فيما بعد في عملها.
وتقول في حديث لـ DW عربية: "معلوماتي التي اكتسبتها في السنوات الأولى أثناء وجودي في النمسا ساعدتني كثيرًا على إدارة الشركة المتخصصة في الأدوية، التي أنشأها زوجي عندما عدنا إلى قطاع غزة بعد إنهاء دراسته. ولانشغاله في عالم السياسة، أخذت أنا موقعه وبدأت أدير هذه الشركة إلى يومنا هذا".
وتضيف: "عانيت كثيرًا في مسيرة حياتي العملية، حيث واجهت الكثير من الصعاب. لكن شخصيتي القوية كانت سر نجاحي. تعلمت من أخطاء الآخرين حولي، وتعاملت مع فئات كثيرة رسمية وغيرها، وكل هذه التجربة أوصلتني إلى ما أنا عليه الآن".
يعاني الاقتصاد الفلسطيني مذ قامت إسرائيل بفرض حصار على قطاع غزة من حالة ركود كبيرة نتيجة الإغلاق المتكرر للمعابر التجارية وفرض القيود على حركة استيراد البضائع من الخارج وارتفاع معدلات البطالة التي تصل إلى نسبة 40 بالمائة خاصة بين الفئات الشابة.
وعلى الرغم من الارتفاع الملحوظ في مستويات التعليم بين الإناث في المجتمع الفلسطيني والذي يتساوى مع نسبة تعليم الذكور، إلا أنه ما زالت تُسجَّل نسب مُتدنية لمشاركة النساء في سوق العمل. وتوضح هنا نادية أو نحلة، مديرة طاقم شئون المرأة، وهي جمعية نسائية غير حكومية، في حديث مع DW عربية أن "نسبة التشغيل في صفوف النساء (في الأراضي الفلسطينية) لا تتعدّى 14.3 بالمائة مقابل 66 بالمائة للرجال".
وتشرح أبو نحلة أن أنشطة النساء العاملات عادة ما تتركّز في مجال أعمال الخدمات والوظائف الدنيا، حيث تعمل نحو 40 بالمائة من النساء في مجالات الصحة والتعليم والعمل الاجتماعي. وتشير نادية أبو نحلة إلى أن البنى الاجتماعية والثقافية الفلسطينية تحول دون مشاركة المرأة، قائلة "ما زالت نسبة كبيرة من النساء خارج نطاق القوى العاملة، في حين تعمل نسبة كبيرة أخرى منهن من دون مقابل داخل عائلاتهن أو في مجال غير رسمي من دون التمتع بالامتيازات والحماية التي يلحظها قانون العمل".
منى الغلاييني، نموذج آخر من نساء نجحن في مجال الأعمال في قطاع السياحة، حيث بدأت حياتها المهنية كموظفة في أحد مطاعم قطاع غزة بعد قيام السلطة الفلسطينية. وعندما أغلق المطعم أبوابه، قررت أن تطلق مشروعها الخاص، فاستأجرت فندقا في القطاع مع شريكين اثنين بعد حصولها على قرض من إحدى مؤسسات الإقراض في غزة، وأدارته بنفسها لسنوات، محققة نجاحا كبيرًا.
وافتتحت مطعما للوجبات السريعة، هو الأوّل في مدينة غزة، لاقى رواجًا كبيرًا، ما شجعها على الاستمرار في العمل في المجال ذاته وتوسيع مشاريعها الاقتصادية. وقد افتتحت أحد أشهر المطاعم الراقية في غزة، بالإضافة إلى إنشاء فندق سياحي على شاطئ بحر غزة قبل أشهر معدودة بتكلفة مالية تتخطى مليوني دولار أمريكي، في خطوة وصفتها بـ "المجازفة" في ظل الواقع الاقتصادي الحالي في القطاع.
ولا تخفي الغلاييني الضغوطات المجتمعيّة عليها كونها تعمل في قطاع يراه الكثيرون في غزة حكرا على الرجال. لكنها تؤكد في الوقت نفسه أن "المجتمع يتقبّل ما تفرضه عليه وما تصرّ عليه. أنا الآن لا ألقي بالًا لكل تلك الأصوات، فأنا فرضت نفسي ونجحت في مجال عملي".
من جهتها، تفرض حركة حماس، منذ سيطرت على قطاع غزة، قيودا على عمل النساء في مجال السياحة، فقد أبلغت أصحاب المنتجعات والمطاعم والفنادق بعدم السماح للنساء بالعمل كنادلات، بالإضافة إلى القيود المجتمعيّة التي لا تسمح بالاختلاط بين الذكور والإناث في مهن معينة، ما دفع بالغلاييني إلى عدم قبول تشغيل أي من النساء اللواتي تقدمن للعمل لديها في جميع المشاريع التي تديرها.
وحاولت حكومة حماس في غزة قبل فترة تحسين صورتها أمام الإعلام الغربي، عندما عيّنت إسراء المدلل كناطقة باسمها. كما توجد لدى الحركة الإسلامية دائرة للعمل النسائي تديرها نساء من داخل الحركة للعمل مع النساء.
وكانت دراسة بحثيّة أعدّها مركز المرأة للدراسات والتوثيق غير الحكومي قد خلصت إلى أن التحديات التي تواجهها المرأة الفلسطينية في سوق العمل تعود إلى سوء الأوضاع الاقتصادية والقيود المجتمعية المفروضة على عمل المرأة، بالإضافة إلى محدودية المهن التي تستطيع النساء المنافسة فيها وانحسار المجالات التي يبحثن عن العمل فيها.
وتنشط عدة مؤسسات أهلية ونسائية في قطاع غزة في مجال دعم المشاريع الصغيرة الخاصة بالنساء، بهدف مساندتهن في مواجهة التحديات في ظل الظروف الاقتصادية المتردية التي يعاني منها القطاع الساحلي المحاصر، خصوصا في مجال الزراعة والخدمات. في غضون ذلك تواصل سيدات أعمال على غرار هيفاء شراب ومنى الغلاييني العمل بكد وجد لإثبات أن المرأة الفلسطينية قادرة على تحدى العراقيل وصنع النجاح.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل