رئيس التحرير
عصام كامل

نعم أنا أخشى عودة دولة مبارك


يتكلم بعض المصريين عن خوفهم من عودة دولة مبارك، دولة الظلم والقهر والطغيان، دولة السرقة والتزوير والبهتان، دولة المحسوبية والحقوق الضائعة، والأغلبية المهمشة، والأقلية التي تدفع ثمن السلام الاجتماعي بالتنازل عن كل حقوقها، وبالسكوت والصمت عند الاعتداء عليها، نعم أنا مرعوب من عودة دولة مبارك، يشاركني الخوف كثيرون منهم من رفع صوته فأتهم بالخيانة والعمالة للإخوان، ومنهم من خفض صوته ليس خوفا من تهمة العمالة والخيانة لكن إيمانا منه يأن الصوت العالي سيصب في صالح الإخوان المسلمين.


ودولة مبارك ليس هي دولة محمد حسني مبارك الأب وجمال الابن، وسوزان الأم، دولة مبارك كانت تعتمد علي أربعة أسس..

أولها: السيطرة علي المؤسسة الدينية متمثلة في الأزهر والكنيسة، وبالسيطرة علي هاتين المؤسستين تستطيع الدولة السيطرة علي عقول غالبية المصريين، في المقابل ليس هناك مانع أن يكون لرجال الدين مكانتهم ومراكزهم في الدولة، فيحترمون ويقدرون ويتعاملون معاملة خاصة، وكل كرامة لهم تنتقص من الشعب الغلبان الذي يرضي بالذل والهوان ثم يرضيه تكريم واحترام رجل الدين.

ثانيا: دولة المؤسسات الأمنية بقسميها المخابرات وأمن الدولة، تلك المؤسستان تجمعان المعلومات عن كل كبيرة وصغيرة في البلد، وتقدمها للسادة المسئولين، فيقدم السادة المسئولون ما يريدون تقديمه لرئيس الدولة ويحجبون ما يريدون حجبه عنه، وتتخذ القرارات السياسية علي ضوء المعلومات، كما تخرج هذه المعلومات ضد الخصوم في الوقت المناسب، فكل من فكر ولو مجرد التفكير في المعارضة تفتح ضده الملفات، ناهيك عن إعطاء سلطة مفتوحة لرجال الشرطة ليفعلوا ما يشاءون ويقمعوا من يريدون وبكل الوسائل.

ثالثا: الإعلام ذات الصوت المسموع والتأثير الجبار والقادر علي تلوين عقول المواطنين باللون الذي يريده، والقادر علي جذب الشارع في الاتجاه الذي يريده، والقادر علي تلميع من يريد وتشويه من يريد، وإعطاء صكوك الوطنية للموالين، ومنح لقب الخيانة والعمالة للمعارضين.

رابعا: دولة رجال الأعمال الذين جمعوا ثرواتهم من المال الحرام، من صفقات ومناقصات دفع الشعب المسكين ثمنها من دمائه، فهم لا يعرفون سوي العمل مع الحكومة وأجهزتها الفاسدة، لها يبيعون بأغلي الأسعار ومنها يشترون بأبخثها، وهؤلاء مستعدون للدفاع عن النظام بكل ما يملكون من ثروة، فهم يدركون أن في رحيل النظام هو ضياع الثروة بالكامل، بل وعدم القدرة علي الكسب في المستقبل، فأفضل استثمار لهم بقاء النظام والدفاع عنه، حتي تستمر دولة النهب والسرقة.

ولما كانت هذه المخاوف قد تولدت لدي البعض، نظرا لظهور بوادر تنبئ بعودتها مرة أخري، كأننا لم نثر مرتين، ولم نغير نظامين، أصبح لزاما علي القائمين علي السلطة إظهار حسن النوايا وطمأنة المتخوفين أمثالي، ليس بالكلمات المعسولة ولكن بالأفعال، إن لم يكن خوفا من الخائفين، فهو حفاظ علي تحالف 30 يونيو وعدم تفتيته، وكذلك وفاءً لكل من شارك في الثورة وناضل من أجل إزاحة الإخوان.

وحتي لا أعطي الفرصة لمناصري المعزول بالشماتة، دعني أقول إن دولة مبارك بكل عيوبها هي أفضل من دولة مرسي، دولة الأهل والعشيرة، ودولة استخدام الموالين للبلطجة ضد المعارضين، ودولة جمع المعلومات من مخابرات أجنبية، ودولة رجال الأعمال الإخوان، ودولة رجال الإعلام القطريين.

إننا نستحق ما هو أفضل من دولة الإخوان ومن دولة مبارك، الشعب المصري يستحق دولة عصرية محترمة يسودها القانون، دولة المؤسسات التي لا تستخدم فيها النيابة للعصف بالخصوم، دولة تطبيق القانون علي الجميع، ودولة احترام كرامة المصريين بمحاربة الفساد ومحاربة مصاصي دماء الغلابة، من أجل ذلك شارك الشعب في ثورتين وعندما أقول الشعب، لا أقصد قيادات هبرت بعد كل ثورة ونهبت بقدر ما ضحي أبناء الشعب، ولكني أقصد الشعب غير المسيس والحالم بعيش حرية عدالة اجتماعية حقيقية.
الجريدة الرسمية