رئيس التحرير
عصام كامل

جريمة التوريث المهنى


الأصل في الشرع المطهر: العدل، والمساواة، عدم التمييز، تكافؤ الفرص، اعتبار الكفاءة، كلها واجبات شرعية، وأسس نظامية، وقواعد معاملاتية لا تقبل أنصاف حلول، ولا تبديل ولا تحويل.


قال الله - عزوجل: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون» - الآية ٩٠ من سورة النحل.

وقال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: الناس سواسية كأسنان المشط.. وطبق المجتمع الإسلامي الأول هذه المبادئ بحرفية ومقاصد نصوصها، فأسندت شعيرة الآذان إلى بلال الحبشي، وولاية المدنية النبوية إلى عبدالله بن أم مكتوم -الضرير-، والاستشارة الدفاعية لسلمان فارسي، وحمل ختم الرسول -صلي الله عليه وسلم- إلى صهيب الرومي، مهمات الطب إلى نصاري، والأمن الغذائي إلى يهود، والسفارة الدينية إلى من كانوا مستضعفين، فكانت المعايير الكفاءة دون اعتداد بحسب ولا نسب ولا قرابة ولا معتقد ولا لغة، فعاش المجتمع بطهر «العدل» وفتح الله -عز وجل- الفتوح، وأسسوا حضارة في ربوع العالم.

إن وراثة المهام استثناء من الأصل لغرض مشروع، كما أخبر الله -عز وجل- حكاية عن زكريا -عليه السلام- «فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا» - الآية من سورة مريم، أما وراثة المناصب فالأصل التحريم والتجريم، فلم يعهد أبوبكر- رضي الله عنه- لأحد أولاده، ولا عمر ولا عثمان -رضي الله عنهما- فلما ابتدع الأمويون وراثة الحكم السياسي تحولت الخلافة الراشدة من مناهج النبوة النورانية إلى «ملك عضوض» لحظوظ الدنيا.

وعليه فإنه التوريث المهني يعد جريمة تجعل فاعلها مقترفا للآثام، طالما لمن منعهم لكفاءتهم من نيل حقوقهم المشروعة، ومن المقرر شرعًا أن كل من يتولي عملا مهنيًا بالوساطة والمحسوبية والتوريث، كما هو الشأن في مؤسسات سيادية بالدولة -للأسف- وشركات ذات رواتب عالية لأولاد العاملين الشاغلين أو المتقاعدين فإن كسبه سحت، ودخله المالي خبيث، وسيظل منزوع البركة، ويبوء بإثم الظالمين «ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشحص فيه الأبصار» سورة إبراهيم.

إن الواجب الشرعي، والضمير الإنساني، والعدالة الاجتماعية كلها مجتمعة تستنهض المجتمع القضاء العاجل والمبرم على وباء وداء التوريث المهني، فليس من المقبول ولا المعقول التستر على من يوسدون الأمور لغير أهلها، ويجب النص في لوائح ذات علاقة بالتصدى الحازم، والعقوبة الرادعة الزاجرة للمفسدين المورثين أولادهم على حساب المستضعفين الأكفاء الذين لا سند لهم إلا الله -عز وجل-.

إن حق الإنسان على مجتمعه أن يتذوق العادل ولا يتجزع الظلم، الذي في التوريث المهني والوظيفي جاوز المدي!!
بلاغ فهل من مذكر؟
الجريدة الرسمية