حكايات شارعنا
حكاية مكررة .. نعم فهي قصة ستجدها في كل شارع وبلدة وقرية .. لذلك الشاب الذي يتخرج ولا يجد عملا .. فيضطر إلي السفر .. رامي .. أحد جيراننا .. عرفته بعدما افتتح السوبر ماركت .. وتصداقنا وأنا أبتاع منه كل ليلة علبة السجائر السوبر ..
وبدأ يحكي الحكاية المكررة بنفس المرارة التي تسمعها من أفواه نفس أقرانه الذين عاشوا نفس المعاناة .. سافر إلي إحدي دول النفط .. عمل بجد وكد .. حرم نفسه من كل شىء .. ويرسل لزوجته التي تركها تحمل في بطنها ولده الأول كل شهر المال .. ومرت أربع سنوات ليعود بعدها إلي الوطن بعدما قامت ثورة يناير ببضعة أشهر .. المال الذي جمعه كان يكفي بالكاد شقة تمليك وسيارة صغيرة تريحه وأسرته من عناء المواصلات .. وأيضا ذلك المشروع الذي يصبح فيه مدير نفسه ..وبدأت أكوام المرارة تنساب من فمه .. فالثورة جعلت كل من يمتلك مالا .. حتي الموظفين الذين يضمنون رواتبهم أول كل شهر .. يقتصدون في شراء احتياجاتهم ..
قال لي إن أباه كان لديه محلا للبقالة وأنه ورث المهنة منه فهي ليست جديدة عليه .. وكان يساعده في فترة الأجازة الدراسية .. وكان المحل "يصفي" آخر الشهر وذلك قبل ثورة يناير أكثر من أربعة آلاف جنيه .. سافر وعاد بعد الثورة ليجد أن المحل بالكاد يدفع مصاريفه من إيجار وكهرباء وضرائب .. فالناس تقتصد في الشراء ليس بخلا ولكن خوفا من القادم .. المجهول الذي أصبح يحيط بالبلاد والعباد .. حتي هؤلاء الموظفون الذين يضمنون الراتب .. أصبح ثبات الراتب أمام ارتفاع الأسعار يجعلهم يشترون احتياجاتهم بقلة شديدة .. ودورة رأس المال أصبحت بطيئة للغاية ..
كان يشتكي أن البقالة أصبحت تفسد عنده .. لم يعد يشتري الأشياء الرفاهية مثل الشيكولاته .. فالناس ألفت طعم المر ولا تريد تغييره .. وتعددت لقاءاتي مع رامي .. ووجدته ذات يوم وفي سيارته الصغيرة بضع أطفال .. قال لي بعدها إنه اضطر إلي تشغيل سيارته لتوصيل الأطفال إلي المدارس وأن زوجته ستكون في المحل صباحا .. متحملة رزالات الزبائن وصخب الأطفال .. بعد أسابيع لم أجد عنده سجائري .. قال إن السجائر تحمله الكثير والزبائن أصبحت تشتري الفرط .. ضحكت .. أكد لي المعلومة عندما أخرج علبة كليوبترا مفتوحة ومنقوص منها بضع سجائر .. ضاحكا قال أنت الوحيد الذي يطلب علبة كاملة .. بعد أيام وجدت رامي يسألني إذا كنت أستطيع تدبير عمل له في الحكومة ولو بعقد يومي .. فالمحل يخسر تقريبا .. وأحداث البلاد تؤثر علي الجميع .. فالكل يقتصد .. الكل خائف من المستقبل .. أخبرته وأنا أزيد علي أطنان مرارته أطنانا جديدة .. بأن الحكومة أصبحت متشبعة تماما بالموظفين بعد تعيين العقود .. منذ يومين أغلق رامي المحل.