رئيس التحرير
عصام كامل

صحفيون يسلبون المهنة هيبتها


يقف كثيرون من أنصاف المهنيين وأرباع بنى البشر داخل مهن شتى فى مواضع ومواقع أقوى من آخرين ربما يتميزون عنهم بما تتطلبه مهام مهنتهم، لكن التحول الكبير الحادث فى الشخصية المصرية عموما وترجيح كفة قيم لا علاقة لها بأعراف وتقاليد هذه المهن، قلبا الأوضاع داخلها رأسا على عقب وجعل العلاقات بين أبنائها غاية فى السوء.


الأمر ينطبق بالضرورة على مهنة الصحافة التى ربما ينزعج كثيرون من الحديث عن أزماتها ومحاولة جلد الذات بحثا عن مخرج لأزمات أخلاقية لها انعكاساتها على أوضاعها ومخرجاتها لقراء لا يتلقون دائما أفضل منتج ولا يعلمون الكثير عن بعض "مطابخها" التى نقلت إلى الرأى العام صورة سلبية جعلت تعميم كلمة "الفساد" يطول العاملين بحقلها.

داخل الوسط الصحفى ربما تكون سيئ الحظ فتعمل فى مناخ لا تنال فيه رضا رئيس التحرير، ربما لأنك لا تبصم على كل ما يطلقه من أحكام، أو لأنك تخالفه سياسيا، وسيكون حظك الأسوأ إذا عملت مع رئيس تحرير من المناضلين "إياهم"، ممن يدعون مناهضة حكم فاسد ويزعم دفاعه عن حقوق وحريات المواطنين، بينما يسلبك أجرك نهاية الشهر مقابل وعد زائف بتعيينك وحصولك على حقك فى الضمان الاجتماعى والاستقرار المهنى والوظيفى، هنا ستكون محنتك أصعب وربما تعجز عن إقناع من حولك بأن أمثاله يمارسون أبشع أنواع النصب السياسى.

أضف إلى أزماتك أن تعمل فى صحيفة حزبية ينتقل فيها أصحاب هتاف الشوارع إلى جداول القيد بنقابة الصحفيين عوضا لهم عن جهدهم فى خدمة أفكار ربما لا تتجاوز حدود مقار أحزابها العائلية أو الشللية، أو الولاء لصاحب الدكان، أو ذهبت إلى صحيفة تعنى مادتها بالاقتصاد ولا تحصل فيها على مقابل لعملك دون جلبك إعلانا مدفوعا من مصادرك، وربما تضطر إلى سداد قيمة تأميناتك الشهرية بعد التعيين وتكتفى بالحصول على بدل التدريب من المجلس الأعلى للصحافة مقابل التنازل عن راتبك لدى جريدتك.

وأكثر المصائب التى ربما تتراكم فوق رأس من أنجبوك، أن تعمل مع رئيس بجريدتك يشعر بخطورة مهاراتك وكفاءتك على مستقبله داخلها، فيسعى إلى تشتيت جهدك وإثارة المشكلات حولك عبر صبيته وغلمانه، ومع تقدم العمر بك سيصل بك الحال إلى أن يرفض أمثاله أن تعمل إلى جواره لأنه أصبح يخجل من نفسه حينما يناقشك فى أمر مهنى أو يستمع لوجهة نظرك التى تفوق نبوغه، حتى أن كثيرين من الزملاء قاربوا سن المعاش وتضيع خبراتهم بين 4 جدران لمجرد أن مؤسسات شتى يخشى رؤساء ومديرو تحريرها توجيههم.

كثيرون ممن يحملون احتراما لأنفسهم ويرفعون رءوسهم لا يسلمون من طفيليات غزت مهنتهم، تعمل بتوجيه أصحاب النفوس المريضة التى تريد استكمال الكارثة بإبعاد أصحاب الكفاءات لحساب أصحاب العمولات والعلاقات المشوهة والمشبوهة أحيانا، وعلى غير قيم وأعراف المهنة يقف الجهلة والصبية لينادوا على الأساتذة بأسمائهم ولا مانع من السخرية من كفاءاتهم خدمة لحسابات من يرفع أجرهم من جيب "صاحب المحل" أو "الكروديا" حسب وصف الساخر الراحل استيفان روستى.

فى المقابل لا تجد سبيلا نقابيا لمراقبة ومتابعة ومساءلة من يعتدون على أعراف وتقاليد وقيم مهنة، فأغلب من يحضرون إلى مجالس النقابات من محترفى الانتخابات لا من المخلصين للعمل العام والنقابى، حتى باتت الشكاية لتلك المجالس نكبة أخرى على رءوس أصحاب الأزمات، فهؤلاء مشغولون بشيء مختلف لا يدركه غيرهم، فأحوالهم وأوضاعهم لابد وأن تسير مع مناصبهم الجديدة إلى الأفضل.. بالتأكيد.

أشعر بالعار أمام زملاء أغبياء يدمرون مهنتهم ويفقدونها هيبتها لمصالحهم الضيقة، وأشعر بالخيبة أمام نشء لا يتعلم سوى الانتهازية والوصولية وقلة الاحترام، كما أشعر بالأسى كلما نظرت لأحوال أساتذة وزملاء علمونى وغيرى يوما حرفا وقيمة... ولله الأمر من قبل ومن بعد.
الجريدة الرسمية