نسبة الـ51 % عمال وفلاحين
وبما أن طبيعة المرحلة التى تنكر حكومة الببلاوى أنها انتقالية وتشدد على أنها تأسيسية، ولم أر خلالها أكثر من افتكاسات أصحاب المزاج والمزاح على الفضائيات وفى المنتديات وعلى مقاهى وسط البلد وترابيزات أسطح فنادق النجمتين، فمن حقى أن أدخل المزاد طالما أنه بلا شروط.
اليوم يمر العام السابع على وفاة والدى، كان أحد جنود مصر فى اليمن وعدد من البلدان التى نالت ثوراتها مناصرتنا، وقضى فى الجيش خدمة إلزامية وصلت 10 سنوات، خرج بعدها إلى حياة يعانى، يكرهها ويقابلها بنفسية رجل الحرب الباحث عن الموت، لم يحقق نجاحات فى عمل حر بعد رفضه فرصا حكومية مبكرة للعمل بكيانات كبرى، وكانت آخر محطاته "الميرى"، ليضمن على أقل تقدير معاشاً ربما ينفعه فى توقيت لن تسعفه فيه صحته.
تخارج إلى المعاش بشركة أعلاف تابعة لوزارة الزراعة قبل 10 سنوات من وفاته، لم يحصل منها في نهاية خدمته على أكثر من 143 جنيهاً معاشاً شهرياً، فصندوق الزمالة ومكافآته الكبرى أخذه غراب الفساد وطار قبل أن تتم عملية تصفية الشركة وإجبار الكثير من زملائه على القبول بالمعاش المبكر، لماذا؟ حتى تتحول مقارها إلى أراض تستأجر لباعة قطع غيار السيارات والسمكرية وأرباب مهنة الدوكو والميكانيكا، راجع أحد مقارها بحى المطرية الآن، وحتى تحتكر شركات إنتاج واستيراد جديدة الأعلاف وتختفى "فراخ الجمعية" لحساب المزارع الخاصة.
المهم فى الموضوع أن مثله ظل مضطراً للعمل حتى آخر لحظة فى عمره كى يستطيع العيش والشعور بالذات والبقاء، حتى إنه توفى جالساً على مقعده ساعة استعداده للذهاب إلى عمله فى مرحلة ما بعد التقاعد، رغم أنه لم يكن مضطراً بالضرورة إلى التحامل على نفسه كثيراً، فقد أدى ما عليه، مقابل تشتت أسر أخرى لزملاء له لم تجلب لهم مكافأة القبول بالمعاش المبكر سوى أمراض الشيخوخة، فمات أغلبهم قبله.
كنت أسمع كغيرى عن نسبة "عرفية" لأبناء العاملين من الوظائف بشركاتهم ومصانعهم، تشبه تماماً النسبة المسروقة من العمال والفلاحين فى البرلمان، وكانت آمال كثيرين تتعلق بها كحق لهم يضمن الحد الأدنى من الأمان، إلا أن قيام حكومات عهد مبارك ببيع ممتلكات الشعب أتت على هذا الحلم، وانتهت أحلام أبناء العمال فى الوقوف أمام الماكينات كما ضاعت أحلام الفلاحين فى امتلاك أراض جرى توزيعها بعشرات الآلاف من الأفدنة على "حالنجية" الاستثمار الزراعى، الذين بنوا القصور والفيلات وأنشأوا ملاعب الجولف بدلاً من تخضيرها.
لم يكن والدى وكثيرون مثله يحلمون كجيلنا بثورة حتى يتحملوا اثنتين خلال عامين، ولم يكن لديهم أى شعور بحاجة إلى مناهضة نظام حكم مصرى، بل كانت عقيدتهم ثابتة فى اتجاه حماية أرض الوطن من عدو على الحدود، والحصول على استحقاقات ثابتة وواضحة تنعكس فى صورة استقرار اجتماعى وثبات لقدرات اقتصادية لهم وأسرهم، يضمنهما امتلاكهم جزء من ثروات البلاد التى توجه طبيعتها أنشطة سكانها، الزراعة، بخلاف ما أضافته أحلام يوليو 1952 إليها من نهضة صناعية.
لو عاش أبى وزملاؤه حتى يشهدون مطامع النخب الزائفة فى نسبة الـ50 % المخصصة برلمانياً للعمال والفلاحين، ما انزعج أكثرهم أمية أو انتفض فى وجه موسى وسلماوى وعاشور ونينجا حزب النور، بل طلب منهم بفصاحة لسان ضمانة واحدة لاستحقاقاتهم، وهى تملك العمال نسبة 51 % من أسهم الشركات العامة والمصانع تحاشياً لتداعيات تقلب الأمزجة الحكومية وخططها المهلبية، ومثلها للفلاحين من الأراضى الصحراوية المستهدفة بالاستصلاح والاستثمار الزراعى، وتغوووووور نسبتهم فى البرلمان.. ولتذهب إلى من ترضى عنهم لجنة الـ50 فكيك تأسيسى بجلالتهم.