رئيس التحرير
عصام كامل

أبو خراش الهذلي: الصعلكة أدب مش هز أكتاف!

فيتو

أبو خراش الهذلي من مشاهير الصعاليك، اسمه‏:‏ خويلد بن مرة، من بني قرد، لم يكن صعلوكًا عاديًّا، فلم يمتهن الصعلكة حبًّا في السرقة،

بل أجبرته ظروف الحياة عليها، وعلى رأس تلك الظروف مقتل عدد من إخوته على أيدي قبائل كنانة وفهم وثمالة، فقرر أن يثأر لإخوته ويغزو هذه القبائل، تارةً وحيدًا، وتارةً مع عدد من أبناء قبيلته.

يعني الظروف صنعت منه صعلوكًا.. حاجة تفكرك كدا بفريد شوقي في جعلوني مجرمًا وهو بيقول «عدالة المجتمع اتأخرت عنى كتير... غمضت عينيا وما فتحتهمش إلا لما بقيت مجرم قاتل.. قول لهم سلطان غنى عن البراءة.. سلطان في إيده مسدس واتعود يدوس على الزناد».. ومفوقهوش غير لما دخل الجامع وحب يضرب يحيى شاهين بالقلم.. وفجأة قال المؤذن الله أكبر.. وقال له: جعلوني صعلوكًا»!

كان أبو خراش شجاعًا، كريمًا، عفيف النفس لا يرضى الهوان، صبورًا، وله قصة جميلة تدُلُّ على عفة نفسه وشدة صبره، وهى إنه في يوم كان «مأشفر وعلى الحديدة» وماشي على باب الله.. قابل امرأة من قبيلة هذيل.. المرأة كانت جميلة جزلة شريفة.. الست حبت تعمل معاه الواجب وتكرمه.. وأهو حسنة تقعد لها ولعيالها.

راحت دابحة له نعجة.. وأثناء قيامها بتسوية اللحمة بتاعتها شم عمنا ريحة الأكل.. طبعا البيه كانت عصافير بطنه بتصوصو.. فراحت بطنه قرقرت، فضرب على بطنه وقال: إنك لتقرقري لرائحة الطعام فوالله لاطعمت منه.. والله عشان قرقرتك دي ما أنا مأكلك اللحمة دي..
وطلب من الست شوية دقة وملح واكتفى بيهم، ثم نهض وركب بعيره، المرأة انزعجت جدا وخافت أن يكون بدر منها خطأ، فسألته أن يجلس فأبى.
ثم سألته: طب أنت شفت حاجة وحشة في الأكل؟
قال: لا!
ثم مضى.
وأنشد قصيدة جميلة ذكر فيها قوته وصبره، وافتكر مراته اللي منكدة عليه عيشته وكل شوية تفكره بفقره الدكر.. وكل شوية تقول له يا منيل على عينك.. دا أنت ميلت بختي معاك.. دا أنا لو ماكنتش أتجوزتك كان سيد سيدك جه اتجوزني.
وطبعا ماكانتش مراته بس اللي منكدة عليه.. لا دا حماه كمان.. الظاهر حماته كانت ست غلبانة ملهاش دعوة بيه أو يمكن يكون ربنا افتكرها.. لأنه ما جبش سيرتها في القصيدة دي:
فلا وأبيكِ الخير لا تجدينه.. جميل الغِنى ولا صبورًا على العُدمِ
أبعد بلائِي ضلَّت البيت مِن عَمى.. تُحِبُّ فِراقي أو يَحِلُّ لها شَتمي
وإنِّي لأَثوي الجوع حتى يملَّني.. فيذهبَ لم تدنس ثيابي ولا جـِرمي
مخافة أن أَحيا بِرُغْـمٍ وذِلَّةٍ.. وللموت خيـرٌ من حياةٍ على رَغمِ
وزي كل الصعاليك كان أبو خراش صاروخا في الجري، وهو ممن يعدو على قدميه فيسبق الخيل، وكان في الجاهلية من فتاك العرب، وكان جميل بن معمر الجمحي قد قتل أخاه زهير المعروف بـ«العجوة» يوم فتح مكة مسلمًا، وكان جميل كافرًا، فقرر الانتقام لأخيه، فأصبح صعلوكا شريدا، بطلا تحكى عنه البادية، حتى أعلن إسلامه يوما وتاب وعاد عن الصعلكة في عهد الخليفة الأول للمسلمين أبوبكر الصديق.
توفي أبو خراش في عهد عمر بن الخطاب‏، وكان سبب موته أَنه أَتاه نفر من أَهل اليمن قدموا حجاجًا، فمشى إِلى الماء ليأتيهم بماء يسقيهم ويطبخ لهم، فلدغته حية، فأقبل مسرعًا وأَعطاهم الماء وشاة وقِدرًا، وقال‏:‏ ‏«‏اطبخوا وكلوا‏»‏، ولم يخبرهم بما أَصابه، فطبخوا وأكلوا وباتوا ليلتهم حتى أصبحوا، فوجدوا أبو خراش في عداد الموتى !
الجريدة الرسمية