رئيس التحرير
عصام كامل

"أفق آخر" الفائز المستتر


أطلقت وسائل الإعلام صفات عدة على الانتخابات الأخيرة فى "إسرائيل"، منها الفوز الضعيف لنتنياهو أو الفوز غير المرضى، أو الفوز الخاسر، فالمسألة على أية حال نسبية إلا فى حالات نادرة كتلك التى وقعت فى عهد الجنرال ديجول عندما فاز بنسبة مئوية تقارب الثلثين من عدد الناخبين، لكنه رأى فيها نسبة متدنية لا تليق به، وآثر التقاعد السياسى. لكن حالة الجنرال تبقى خاصة، وهو الرجل الذى تشكل لديه شعور عميق بالاستحقاق باعتباره بطلاً قومياً لتحرير بلاده من الاحتلال النازى، مقابل ذلك ثمة حالات من الفوز المبالغ فيه تتحول إلى أعباء على الفائزين وقد تكسر ظهورهم، خصوصاً إذا كانوا من معارضات سياسية ذات باع طويل فى الرصد والنقد، لكن باعهم قصير فى البرامج والقدرة على إدارة الأزمات. بهذا المفهوم تصبح حتى النسب المئوية فى الحصاد الانتخابى نسبية أيضاً، بحيث يعادل الواحد فى المئة أكثر من عشرين فى المئة فى ظروف معينة والعكس صحيح أيضاً.

لكن ما يغيب دائماً عن راصدى الانتخابات ومواسمها الساخنة فى الدولة العبرية أن هناك مرشحاً يفوز بالتزكية وشبه الإجماع، وهو ليس ليكودياً أو من حزب العمل أو حتى من حزب الحركة الجديد الذى تقوده ليفنى، هذا المرشح الدائم والفائز بالأكثرية الساحقة هو مشروع إدامة الاحتلال وتنفيذ استراتيجية الاستيطان، وكان من باب أولى أن تحمل الانتخابات شعار "إسرائيل صندوقنا" وليس بيتنا كما هو الحال فى اسم تيار سياسى محدد، لأن التنافس المحموم بين الأطراف على اختلاف أسمائها وشعاراتها هو على استرضاء المستوطن أولاً، وعلى ترجمة ما تبقى من الحلم الصهيونى فى تهويد القدس وعبرنة فلسطين كلها.
لهذه الأسباب قد يوصف فوز نتنياهو بأنه ضعيف أو أقل من توقعاته، لكن فوز المشروع ذاته ليس كذلك، لأنه فى نهاية المطاف حاصل جمع الأصوات كلها مادامت الأطراف المتنافسة تجمع على الهدف البعيد ذاته، وليس بينها ما يهدد هذا الهدف أو يقلل من شأنه أو يسعى إلى اقتراح بدائل له.
ولعل ما قاله يورى أفنيرى فى أكثر من مناسبة عن الديمقراطية فى الدولة العبرية يليق بهذه المناسبة أيضاً، فقد قال إن هذه الطبعة الخاصة من الديمقراطية لا مثيل لها فى التاريخ، لأنها ديمقراطية اليهود فقط، لهذا يُلوى عنقها كى تلبى استراتيجية السطو المسلح، أما الآخر وهو العربى فهو محروم من نعمتها بل هو أحياناً ضحيتها.
إنها واحدة من حالات نادرة تلك التى تحول الديمقراطية إلى أداة لديكتاتورية العرق وأيديولوجيا المحتل.
نقلاً عن الخليج الإماراتية
الجريدة الرسمية