مرشح الثورة الفاشل
لا أتوقع غير الفشل لأى مرشح رئاسى يدعى أنه "مرشح الثورة"، ولا أتصور هذا الشعار سوى خَصماً من رصيده عند العقلاء من الجماهير الذين يعرفون جيداً أن أزمة الثورة فى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 أن ميادينها لم تفرز قيادة واحدة حتى الآن، وأن أحداً ممن نزلوا إليها من بين الشخصيات المعروفة، كان على قناعة تامة بزوال نظام مبارك ومن بعده حكم الإخوان، أو أن نيته كانت تتجه إلى تقديم تضحيات تنال من حظوظه.
وتوقعاتى هذه ليست من باب التلفظ بالغيب أو تقليلاً من شأن من يرون فى أنفسهم أو يصورون للناس أنهم أقرب إلى همومهم وأكثر شعوراً بأزماتهم، دون تزيين لكلمات تتعارض وحقائق الأزمات على أرض الواقع والمسئولين عنها والمتسببين فيها، لكن تفاصيل ما بعد يناير وتداخلات الأمور قبله مع نظام مبارك ورجال حكمه، تجعلنى أكثر شعوراً بأن المواطن وحده يعيش ويواجه معاناته ويحل أزماته على طريقته ولو تسبب فيها نظام الحكم ومعارضته التى تظل جزءاً منه دون تزيد.
وعشاق المعارك الانتخابية لا يريدون لغيرهم رؤية الفجوة بين أحاديثهم وتداعيات خطوات تياراتهم على الأرض، ها هى القوى السياسية كافة، يشبهون الإخوان كثيراً، يظهرون فى حكومة انتقالية، لا تعبر قراراتهم داخلها عن كلماتهم وشعاراتهم قبل يناير وبعده، وبينه وبين 30 يونيو كانت حالة التوهان والولع أحياناً بنموذج حكم الفاشية الدينية تسيطر على تحالفات أحزابهم، راجع تحالفات انتخابات برلمان 2012 وكيف صعد أنصار تيارات وأحزاب على سلم الإخوان لحصد مكاسبهم.
وسوء أداء الحكومة الانتقالية يزداد انطلاقاً من المبادئ الحاكمة لرؤيتها "الببلاوية" الجامعة، يوازيه تواطؤ قوى سياسية يفترض فى مواقفها "الرقابة والمساءلة" على أداء الحكومة، طالما أنها ليست "منتخبة" يقف على يسارها المعارضون، بل "مكلفة" بإنجاز مهمة وهدف واضحين فى شعارات الثورتين الأولى والثانية أو قل الأولى بموجاتها إرضاءً للتفسيرات المتصارعة.
وبين غياب حقيقى للثورة عن حلبة المنافسة على مقعد الرئاسة، وغياب القوى السياسية عن دورها فى التواجد بين الناس لحل أزماتهم وقتل اليأس بينهم، وامتناعها عن الاعتراف بفشل ممثليها فى الحكم الانتقالى، يقف المنادون بعودة المؤسسة العسكرية إلى الحكم داعين إلى انتخاب منقذ المصريين من مستنقع الجماعة الدموية، وزير الدفاع، ربما استسلاماً من أغلبهم لقدرة هذه المؤسسة على القيادة والعبور بالبلاد إلى بر الأمان، وتجاوز مخاطر أمنية وسياسية تتهدد الدولة وسيادتها، واقتصادية واجتماعية تمتلك مواجهتها بأدواتها وإمكانياتها الخاصة.
ويبدو أننا لا نريد إلا العودة إلى نقطة الصفر، وكأنها أصبحت علامة ثورية لمشهد لا يراد له نهاية، أو فيلم أكشن لا تتجاوز لقطاته مشاهد الدم، حتى المخرج نفسه لم يعد يتذكر شكل النهاية التى كتبها المؤلف وتلاعب بها المونتير قبل أن يوافق هو على تمريرها، لتصبح الجماهير فى صالة العرض منقسمة فى نهايته على حالها، جزء يخرج مستمتعاً بما يتصور أنه "أكشن"، وآخر رومانسى يتصور أنه شاهد "تراجيديا" أشبعت رغبته فى البكاء، والاثنان سددا ثمن الدخول إلى السينما ومشاهدة الفيلم ولو كان مجرد "عك".
الجماهير لن تمنح تياراً فاشلاً شرف تمثيلها فى انتخابات الرئاسة، ولن تدخل معركة مجدداً لا ناقة لها فيها ولا جمل، ولن تتحرك خطوة باتجاه من يتواطأ على استحقاقاتها أو يتاجر بأزماتها، ستوجه أنظارها إلى مصالحها وحقوقها ولن يعنيها وجاهة زيه المدنى أو بزته العسكرية.. تلك توقعاتى التى ربما لا تصيب، فلست محركاً لها أو وصياً عليها، فقط أنا واحد منها أبحث معها عن حقى وحريتى وأملى فى غد أفضل لى ومَن بعدى.