محاكمة صاحب الفخامة
يقف محمد مرسى أمام القضاء اليوم غير مأسوف عليه وعلى ذكائه المحدود الذى مثل لشعب مصر أزمة نفسية وسياسية خلال عام من حضوره إلى قصر الرئاسة لا نزال ندفع ثمنه ونواجه تداعياته فى صورة شق صف وطنى مقنن وشرخ مجتمعى تزيده أفعال تنظيم إخوانه .
وسيرة مرسى التى قفزت إلى سطح الاهتمام مصادفة بعد شطب اسم خيرت الشاطر المرشح الأول للجماعة وبقاء "الاستبن" بين المتنافسين على مقعد الرئاسة، لم تكن واضحة لكثيرين بالضرورة، ومعها روج التنظيم لأكذوبة مفادها أن منتخبى مرشحه لا يختارون فرداً بل يؤيدون مشروعاً، وهى الحالة التى قليلاً ما تتكرر نسب نجاح أصحابها فى تمرير ادعاءاتهم لدى أوساط الأميين وأنصاف المتعلمين وأرباع المثقفين والقوالب الكاملة من الانتهازيين كأمثال أنصار "الشرعية".
والعائد بذاكرته إلى ما قبل نتيجة جولة الإعادة بين مرشح الجماعة وأحمد شفيق يمكنه بسهولة ما بعد النكبة استخلاص طريقة حكم التنظيم لمصر 12 شهراً لم يغالب سواد أيام المصريين فيها إلا بياض شعر أصغرهم سناً، فالمرشح الهمام انتزع نتيجة الانتخابات لجماعته مبكراً بنقل تهديدها للمصريين على 10 قنوات يملكها "بتوع ربنا"، بإشعال البلاد حال إعلان فوز منافسه، حتى إذا ما حضر مندوباً للإخوان فى قصر الرئاسة أخضع كل قراءاتها للمشهد السياسى لمنهج العنف، فتارة يستخدم لغة الاستبعاد "أهلى وعشيرتى" وتارة أخرى يطلق رصاصاته من رشاش "الشرعية" على معارضى طريقة حكمه الفوضوى، ليصبح أمام القضاء اليوم أكثر غياباً عن الوعى كعادته.
نموذج مرسى تجاوز ما آلت إليه أحوال مبارك خلال السنوات الأخيرة من حكم أسرته، ربما لتأثره بطبيعة المؤسسة التى تخارج منها إلى عالم السياسة ليختلط عنده الشعور بالقوة مع الشعور بالكبر عقب ترسيخه مباديء تزاوج السلطة برأس المال واستجابته لرؤية حاشية الطفيليين من حوله، ليخرج إلى هامش الحياة مبكراً ويدخل أرشيف الاستبداديين إلى الأبد، دون أن يحصد من حكمه قدراً أقرب إلى أقل ما طاله حواريو سلطانه من حظ.
ربما المشهد "المرسوى" يبدو مختلفاً نسبياً عن نظيره "المباركى"، مع متشابهات تثير العجب، فللمرة الأولى فى التاريخ المعاصر يحضر حاكمان متهمان فى محاكمات متزامنة متوازية داخل نفس القفص فى جرائم قتل شعبهما، ويظهر كل منهما أضعف موقفاً ممن دعموا جرائمه أو أيدوا صمته على قمع نظام حكمه، أما المفارقة الغائبة عن الأذهان فهى أن رجال مبارك حضروا حوله مصادفة فى فترات تاريخية تناوبوا مع غيرهم خلالها مهمة حماية حكمه، بينما مرسى يقف حوله من تربى معهم وعاش تحت طاعة معلميهم منذ صغره داخل التنظيم.
مرسى صاحب الفخامة ومن كانوا حوله، يترقب المصريون الآن مناظرهم داخل قفص الاتهام فى أولى قضايا القتل، ربما حصل مبارك على نصيب أكبر من اهتمام الكاميرات ووسائل الإعلام ومعه نجليه حينما ظهروا خلف القضبان، لكن الناس تنتظر اليوم لترى أين سيقف مرسى وأين سيكون مكانه وترتيبه داخل القفص، وهل سيتصدر المشهد أم ينتزع العريان والبلتاجى آهات الجماهير والاهتمام بكاريزما وجوه أبطال أفلام العنف ويظل مرسى "استبن" كما اعتاد؟ لننتظر حتى يحكم الجمهور ويتحاكى، أو يكون للقضاء رأى آخر.. أو تفعل جرائم التنظيم بما حول مشهد المحاكمة مفاجآتها التى يتحدث "تحالفهم" عنها.