الثورات الناقصة
بعد عامين من حراك أطاح بالنظامين فى تونس ومصر، ثمة من يتظاهرون ويعتصمون ويواصلون رفع الشعارات تعبيراً عما يسمونه الثورة الناقصة، فما هو المحذوف من أضلاع مثلثها أو من أقواس دائرتها؟.
ما من تشخيص دقيق وموضع إجماع شعبى على هذا المحذوف من الثورات، لكن هناك إيحاءات بأنه تغيير لم يكن جذرياً، حيث استبدل الأشخاص، وبقيت البُنى القديمة للنظم على حالها، ولقبول هذا الرأى أو التحفظ عليه لابد من الاحتكام إلى المنجز الميدانى فى كل من مصر وتونس، فالإحصائيات هى التى تتكلم وتنوب عن التصريحات على اختلاف النوايا والمصادر.
البطالة تفاقمت، والأمن لم يستتب ، والاقتصاد مسجى فى غرفة الإنعاش، والاستثمار خصوصاً، الخارجى ازداد تردداً، لأن رأس المال لا يجازف إذا أحس بأى نقص فى الاستقرار.
لكن هل يكفى عامان لإنجاز كل ما حلم به الناس وتراكم من أزماتهم؟، هنا تنقسم الإجابات حسب تفكير رغائبى وليس موضوعياً، إلى "تفاؤل وتشاؤم"، وقد تكون بينهما مساحة رمادية من التشاؤل إذا استعرنا مصطلح الراحل "أميل حبيبى".
بالطبع ما من نصاب زمنى محدد لعودة الاستقرار أو إنجاز المطلوب من حراك ما، فقد يكون عامين وقد يمتد إلى عشرين عاماً، فلكل بيئة اجتماعية وسياسية خصوصياتها، والتعميم فى هذا المجال هو خلط للأوراق لا طائل من ورائه، فثمة ثورات استقرت نسبياً بعد أقل من عامين مقابل ثورات أخرى استطالت أنيابها حتى أكلت أبناءها وأحفادها، والفيصل فى هذا السياق هو المنتج السياسى للثورة، فإن كان نسخة أخرى من الاحتكار والإقصاء فإن الآفاق ستبقى مسدودة، ولا بد لمتوالية الخلاف والتصدع أن تبلغ مداها، وذلك على حساب الأمن والاستقرار، إضافة إلى الاقتصاد والصحة والتعليم.
وحين تعود الميادين والشوارع لتمتلئ مجدداً بالمتظاهرين والمعتصمين وليس بالمحتفلين بذكرى الثورة، فإن دلالة ذلك هى باختصار الشكوك فى جدوى الثورة ذاتها إضافة إلى التعبير بصوت عال عن نقصانها، لكنها لن تكتمل أو تستعيد القوس المحذوفة من دائرتها بتكرار الحراك ذاته، لكن بعد تغيير جهة البوصلة، لأن الشعوب إذا أعاقها الحراك السياسى عن الحركة الإنسانية والاجتماعية ومواصلة الحياة بمختلف دينامياتها تكتشف بأنها قفزت إلى الوراء خطوتين بدلاً من أن تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام.
وإذا كانت المصالحة الوطنية هى الوصفة النموذجية لمثل هذه الأوضاع فإنها تبقى مجرد شعار بلا محتوى، إذا لم تقترن بالمصارحة، فالجديد ليس مقدساً ومعصوماً لأنه جديد، والقديم لا يستمد صلاحيته من كونه قديماً، ولكى لا تتكرر حكاية اقتسام الصبى فى غياب أمه الحقيقية، فإن الاحتكام يجب أن يكون لما يخص جميع الأطراف والأطياف وليس لمن بيده الصولجان.
نقلاً عن الخليج الإماراتية.