رئيس التحرير
عصام كامل

سراويل النخبة


كان المسرح يعج بالجماهير التي ارتصت على المقاعد، وأخذ الجميع يصطحب في حوارات ملأت جنباته المتهالكة، والهمهمات تختلط مع الأحرف المتساقطة، كانت الإضاءة واضحة تتيح لي رؤية الجميع من خلف ذلك الباب الصغير المفضي إلى سلم لغرفة التحكم، أخذت أديم النظر في كل الوجوه التي أعرفها جيدا، فالجميع أبطال علي الفضائيات المستعرة في تلك الأيام، الكثير يرتدي البدلات الكاملة والكرافتات، والباقي إما يرتدون الجلالايب والنساء بفساتين السهرة أو ملابس رسمية أو بالنقاب.
كان المشهد عجيبا مختلطا من خلف تلك الفرجة الصغيرة التي جعلتني أرى الجميع بوضوح ، وجدت من يربت على كتفي، انتفضت، لقد كان مخرج العرض، ضحك وهو يشير لي بأن أتبعه إلى الأعلى، غرفة التحكم، وهناك حرك الرجل كاميراته المخفية لأكتشف أن الجميع يجلس بدون سراويل حتى أولئك الذين يرتدون الجلالايب فقد انحسر الجلباب حتى أعلى وسطهم في مشهد عجيب والغريب أن الجميع أخذ الأمر ببساطة وكأنهم اعتادوا خلع سراويلهم أمام الجميع.
 
دق المخرج الثلاث دقات الشهيرة بخشبة المسرح لينفتح الستار عن ديكور فاخر بالكرتون لقصر يشبه القصر الرئاسي وخلف المكتب الأنيق جلس رجل عجوز لا يفعل شيئا سوى أنه يطمئن أن الجميع قد خلع سرواله، وقف أحدهم يعد الجمهور ويعد السراويل ويطمئن أنها بنفس عدد الحضور وأن الجلاليب مقصوصة من الوسط وبنفس عدد الحضور والنساء قد خلعن تنوراتهن.

فجأة هتف الرجل، فلنبدأ ، هنا صفق الحضور جميعا وزغردت النسوة وهلل الجميع بشكل مبالغ فيه ، قام أحدهم يهتف، والآخر يلقي شعرا في ذلك الجالس خلف المكتب صامتا عابسا ، خلفه تقف ثلة أخرى من الرجال قصيرين القامة بدناء ترهلت كروشهم وتدلدلت جيوبهم بالنقود المعدنية ولكنهم كانوا يرتدون سراويلهم وينظرون إلى الجميع بضجر وحنق، همس أحدهم في أذن الجالس العابس، هل كان لابد أن نأتي إلى هنا ونشاهد هؤلاء أنصاف العراة، أشاح الجالس العابس بيده أمر الرجل بالسكوت ، ظن الجميع أن الجالس العابس سيتكلم فصمتوا، أرهفوا السمع حتى تضخمت آذانهم مثل أذني الفيل، كان المخرج في غرفة التحكم يضحك ويكاد يسقط على قفاه، ثم بدأ الجالس العابث في التحدث ، تنحنح ، ضجت القاعة بالتصفيق ، هنا بالضبط في تلك اللحظة حدث أمر غريب ، دخل أحد الشباب على المسرح وحمل السراويل وبقايا الجلالايب وفر ، انتاب الجميع حالة ذهول ، دخل شاب آخر ضرب المكتب الفخم المصنوع من الكرتون بقدمه فانهار ثم ثلة أخرى من الشباب بدأت تطارد أصحاب الكروش المترهلة الذين نطوا وفطوا مثل الفئران المبتلة ونقودهم المعدنية تجري على المسرح وتتساقط وكأنها كنز علي بابا، هنا ترك جميع المشاهدين مقاعدهم وهرولوا عرايا السيقان تتأرجح مؤخراتهم وعوراتهم أمام الجميع يجمعون في النقود ويتقاتلون عليها ، وبعضهم يحاول الجلوس مكان الرجل العجوز ، لم يعرفوا أن المخرج قد فتح الكاميرات علي الهواء مباشرة للجميع ، ضحك رب أسرة من المشهد في التليفزيون، وأغمضت فتاة بكر عينيها، لقد انكشف الجميع الآن، في غرفة التحكم كبلني المخرج وتركني أتعذب إجباريا أمام شاشة التليفزيون. 
الجريدة الرسمية