رئيس التحرير
عصام كامل

المترو الشرعى 1


بعد سبع سنوات من الغياب عدت إلى صديقى المترو.. يذكرنى أبى دائما بالحديث الشريف "اخشوشنوا فإن النعمة لاتدوم" ولهذا وتمهيدا لما هو متوقع من ارتفاع لأسعار البنزين وزوال لنعمة الدعم، كان المترو بروفة مناسبة للاقتراب من الناس بعيدا عن مجرد النظر إليهم عبر زجاج سيارتى وسط الزحام.


أولا المترو تغير كثيرا عن المترو الذى أعرفه.. لم يعد هاجس غرامة إلقاء أعقاب السجائر والمناديل حاضرا فى أذهان الناس.. قديما كان العسكرى سيمسك بك من "قفاك" ويقودك إلى مكتب ناظر المحطة لتدفع غرامة عشرة جنيهات إذا ضبطك متلبسا بإلقاء شىء على الأرض، لا داعى للفضائح فحال أرصفة المترو لا يختلف كثيرا عن شوارع محافظة الجيزة التى دخلت موسوعة جينيس كأول مدينة متخصصة فى بناء ناطحات سحاب من القمامة.

تعرف وجوه المصريين من المترو، كانت تلك هواية قديمة أمارسها مع أحد زملاء الدراسة.. قائمة على نظرية "البت الحلوة تصاحب واد وحش والعكس صحيح"، الآن أصبح القبح صفة عامة فى جيل كامل بناتا وولادا.. للأسف النظرية اندهست تحت عجلات أغانى المهرجانات التى أنجبت جيلا من ذكور "السرسجية" وإناث "الشلق".. حالة بيئة عامة انعكست على سلوك البشر، تحرشات علنية تحت مرأى ومسمع بائعى السبح من أصحاب اللحى طويلة التيلة، تحرشات من البنات غالبا، باعه جائلون فى كل مكان وكأن عرض المترو أصبح مستباحا للهابطين من سطح الأرض بمختلف ألوانهم وأشكالهم.

بعد دقائق تخلصت من شعور المخلوق الفضائى القادم من كوكب آخر.. أرجو أن أكف قليلا عن الحملقة فى وجوه الناس بدهشة.. ما هذا العالم العشوائى الذى لاينقصه سوى نصبة شاى وكشك كاوتش لحام؟ رحلة المترو عادة تمر بعدة مراحل تبدأ بقطع التذكرة وتنتهى بادخالها فى بوابة العبور الاليكترونية عند الخروج ولكن تلك البوابات تم استبدالها بمجموعة من الشباب الظريف الذى يمسك بتذكرتك ويفتح لك "البوابة الإليكترونية" يدويا، فلا يسعك سوى أن تقول سبحان الله على الإعجاز العلمى.

داخل عربة المترو، عربة الرجال يعنى، لم يختلف "الحشر" كثيرا، نفس الزنقة ونفس الإفرازات العطرية البشرية التى تفوح فتملأ أرجاء العربة عبقا يعيقك عن التنفس ويدفعك دفعا إلى الغثيان، بين كل التفاصيل المقززة التى يعرفها المصريون عن المترو سيلفت انتباهك ذلك التزايد الرهيب فى أعداد الملتحين.. لحى فى كل مكان بمختلف الأشكال والألوان، لحية إخوانية، لحية سلفية، لحية محنية جهادية، لحية علمانية يزينها سيرتيت يتوسط أعلى الرأس وهذه فئة ضالة نادرة الوجود والحمد لله، وسط هذا الحشد من اللحى كان ينظر إلى متمحصا ملامحى، رجل فى منتصف الأربعينات تبدو عليه ملامح الموظف الحكومى، جاكيت بسيط وقميص مقلم من منتجات "التوحيد والنور" وكرش متدلى فوق حزام كلاسيك متهالك، لفت انتباهى جريدة الأخبار التى أمسكها فى يده، بينما تشبث باليد الأخرى فى عمود الستانلس المجاور للباب، فى الحقيقة لا أحب المتحملقين فى، يثيرون ضيقى وفضولى لمعرفة سبب النظر إلى بتمعن وهنا سألته: فى حاجه حضرتك؟
فوجئ بالسؤال للحظة ولكنه قال لى: أبدا بس أنا لقيت سيماهم على وجوههم.. ربنا يباركلك ويعينك.

اندهشت جدا من كلماته، خاصة وأن ملامحى لا تعبر عن مفهوم "سيماهم".. لست مقصرا جلبابى بل أرتدى الجينز، لا أحمل مسواكا، حتى رنة موبايلى مجرد جرس عادى وليست دعاء أو أنشوده سلفية كما هو معتاد الآن بين "ملتزمى" مصر الثورة !

لحظة من فضلك.. هل قادك خيالك لتتصور أن لحيتى التى لم يقترب منها موس الحلاقة منذ أسبوعين تقريبا هى السبب؟! قلتها لنفسى وأنا أبادره قائلا: على فكرة ياحاج لو تقصد دقنى فده إهمال والحمد لله مش التزام!
يتبع ....
الجريدة الرسمية