رئيس التحرير
عصام كامل

تفكيك القمم


هناك مآخذ أصبحت تقليدية، بسبب التكرار الموسمى على القمم العربية، منها "بروتوكوليتها المُفرطة، والعموميات فى العناوين والملفات" بحيث تبدو التفاصيل الميدانية خارج المدار، لهذا كان لابد للقمم أن تترجّل ولو قليلاً باتجاه السفوح، لمعالجة قضايا ساخنة وملحة وتهم أكثرية الناس، فالسياسة وهواجسها وتداعياتها، قد يكون لها الأولوية فى مجتمعات لم تصل بعد إلى طبعة أخيرة ومنقّحة من عقد اجتماعى يحدد الواجبات والحقوق، بحيث تستكمل المواطنة كمفهوم مدنى، نصابها .


وتفكيك القمم يبدأ من تحويل العناوين الكبرى إلى تفاصيل، تماماً كما كان كاتب أمريكى يقول عن تفكيك ورقة الألف دولار إذا وجدت إلى "سنتات".

بالطبع.. ليس من السّهل ترتيب الأولويات فى أجندات القمم، لأنها متداخلة وقد يتعذر فصل الاقتصادى عن السياسى، والسياسى عن الأمنى والاجتماعى، لهذا فالمهمة عسيرة إذا كان الهدف هو تقديم علاج عاجل لما يعانيه العرب الآن من مشكلات تفاقمت وكان تأجيلها عبر جرعات من التهدئة المؤقتة، سبباً مباشراً لانفجاراتها.

والواقع العربى يمكن تقسيمه ولو على نحو إجرائى، إلى نمطين، أحدهما يحتفظ بدرجة معقولة من الاستقرار، والآخر تخلخل وتداعت فيه حتى أركان الدولة، لهذا فالوصفة المرتقبة من قمم تتجاوز البروتوكولى إلى الميدانى، هى وصفة مزدوجة، جزء منها علاجى يُضمد جراحاً واسعة، وجزء وقائى لاستدراك ما يمكن استدراكه قبل أن تصل متوالية الخلخلة إلى نهاياتها، وحين يتعلق أمر قمة ما بالثالوث المزمن الذى يعانيه الواقع العربى فقراً وجهلاً ومرضاً، فإن المطلوب على الفور هو العثور على أساليب عملية لصرف تلك الوصفات التى طالما كانت ممنوعة من الصرف.

وتصوير المشهد العربى على اختلاف تضاريسه السياسية والاقتصادية على أنه أمر "ميئوس" منه، هو بحد ذاته صب لمزيد من الزيت على النار، أو كما يقال، "زيادة الطين بِلّة"، لكنها هذه المرة بلّة بالدم لا بالماء.

التدابير العاجلة سيكون لها إسهام فاعل فى تخفيف حدة التوتر اجتماعياً وسياسياً، فالاقتصاد يتفشى فى عمق النسيج الحياتى للناس، لهذا يتحول نموه إلى شرط لأى حراك استثمارى، والشروع فى تفكيك لقاءات القمة إلى ما هو محسوس ومعاش ومرئى بالعين المجردة، لا بد أن يشمل الصحة وشجونها فى عالم فقد الكثير من مناعته وعافيته، وكذلك التعليم بعد أن أصبح فى بعض الأقطار العربية، قناعاً مزخرفاً لإخفاء الأمية وقروحها وندوبها .

إن التعميم هو انزلاق نحو التجريد، وبالتالى قد يقول كل شىء كى لا يقول شيئاً محدداً ومفهوماً، بعكس التخصيص الذى يجعلنا أكثر تواضعاً فى العناوين وأكثر فاعلية فى التغيير.

نقلاً عن الخليج الإماراتية..
الجريدة الرسمية