رئيس التحرير
عصام كامل

مصر بين حزبين


منذ تأسيس حزب الحرية والعدالة بعد ثورة يناير، وخوضه انتخابات مجلسى الشعب والشورى، بدأت تنهال الكتابات فى مقارنة هذا الحزب المولود من رحم جماعة الإخوان المسلمين بالحزب الوطنى المنحل، وزادت حدة المقارنات بعد فوز محمد مرسى مرشح الحزب برئاسة الجمهورية، فبات الكثيرون يصفون حزب الحرية والعدالة بالحزب الوطنى الجديد.


وهذا التشبيه قطعا لم يأت من فراغ، فمفاده عدة أسباب أولها:" أننا كمصريين عشنا ثلاثة عقود وأكثر تحت وطأة ما سمى بالحزب الوطنى الديمقراطى، وشاهدنا كيف تحكم هذا الحزب فى كل مقاليد الأمور فى الدولة المصرية؟، وكيف سيطر على الإعلام فى كل مجالاته محاولا تضليل وعى الجماهير؟، ثانيا: وهى نتيجة للأولى أن عبارة حزب أغلبية أصبحت تؤرق المصريين مما يجعلهم يخشون مما هو آت من هذا الحزب.

وفى الواقع.. أن تصرفات حزب الإخوان تنحى إعلاميا نفس منحى الحزب الوطنى، فيكفى أن يمر القارئ الكريم على جريدتهم أو قناتهم الخاصة ليعرف أنهما لا يختلفان شيئا عن جريدة الأهرام والقناة الأولى فى آواخر أيام مبارك، عندما وصل التضليل الإعلامى إلى ذروته؛ حيث لا يتم إلا عرض وجهة نظر الحزب ورأى الحزب دون حتى الإشارة إلى أن الرئيس له معارضون وشرفاء، فإما تعرض القناة أو الجريدة للمعارضة ولكن بوصفها مأجورة أو تتجاهلها تماما وكأننا فى دولة وهم فى دولة أخرى.

هذه جميعا صفات مشتركة ذكرها الكثير من المحللين فى توضيح التشابه بين الحزبين وهو تشابه فى شكل أداء الحزبين، ولكنهم تناسوا أو لم يتطرق أحد إلى خلاف كبير فى مضمون وبنية الحزبين، وهو أن الحزب الوطنى لم يكن حزبا بالمعنى السياسى السليم، ولكنه كان شكلا فقط وكيانا فقط يسمى حزبا، وهذا الكيان خارج من رحم سلطة وغير مبنى على أساس أيدلوجى وفكرى كباقى الأحزاب، ومن ينضم إليه ينضم ليستظل بظل السلطة ظنا منه أنه لا ظل إلا ظلها وليس على أسس فكرية أو سياسية، لذلك فهو استمد قوته من القبضة الأمنية التابعة للسلطة، وليس من أعضائه وكوادره فكان أشبه بطبقة "أوليجاركية" صعدت للحكم استنادا لقبضة أمنية وليس عن طريق أغلبية حقيقية، ولذلك فوجود الحزب كان مرتبطا بالسلطة، وعندما انهارت السلطة تلاشى الحزب حتى قبل قرار حله رسميا.

وهنا الفرق والخطورة.. فحزب الحرية والعدالة حزب سياسى خرج من رحم جماعة عتيقة سياسيا وخارج السلطة، والانتماء إليه  يعتبر انتماء فكريا عقائديا، لذلك فنحن أمام حزب حقيقى بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف معه، لكنه حزب مبنى على أسس سليمة ولو خرجت السلطة منه سيظل كما هو حزبا قائما بأعضائه، فسابقا كنا نعيش حالة الحزب المرتبط بسلطة، أما الآن فالسلطة هى المرتبطة بحزب وهذا هو الفرق الأقوى والأخطر بين الحزبين، لأن من ينتمى سلطويا فقط لحزب فإنه يهرول هاربا عند انهيار هذه السلطة، فقد انتفت منفعته من الحزب ولكن من ينضم أيديولوجيا وعقائديا فإنه قد يضحى بنفسه فى سبيل بقاء حزبه وكيانه السياسى.
الجريدة الرسمية
عاجل