رئيس التحرير
عصام كامل

آلهة الموت واختبار الديكتاتورية البديلة


يبدو أن حكم القضاء المستعجل بحظر تنظيم الإخوان والتحفظ على أموال مؤسساته وقياداته، ليس على هوى حكومة "حازمون" الببلاوية، التى دائماً ما تصدر أزمة الأمن أمام خططها لتجاوز المشكلات الاقتصادية حسب مزاعمها، دون إجراء عملى منها لحقن دماء المصريين التى تسال يومياً بين مناهضى فكر الإخوان أو مؤيديه.


وبعد أن عشت ليلة أمس الأول داخل مشرحة زينهم، لم أعد أثق تماماً فى قدرة القائمين على الحكم على إنفاذ القانون وفرض حالة الأمن المرجحة كفة "المجتمع" على حماية قياداته السياسية، وباتت شكوكى متزايدة فى إمكانية استغلال حالة الغباء والشيطنة التى باتت عليها تيارات الدين السياسى، فى بناء ديكتاتورية جديدة بديلة للفاشية الدينية تؤسس لها الآن حكومة الببلاوى.

داخل المشرحة لا تستطيع أن تفرق بين مصرى وشقيقه، جميعهم ينتمون إلى طبقة المحكومين، فلا ابن قيادة إخوانية يموت ولا ابن مسئول كبير تستهدفه الرصاصات، ولا مهمة للمعزين سوى العمل كـ"حانوتية" يصلون بالموتى والشهداء إلى قبورهم ويحولون سيرتهم إلى "شخبطة سبراى" على الحوائط ولافتات "بانر" مشدودة بالحبال فى طرقات الشوارع وسبوبة على الفضائيات.

عشت المشهد أمس الأول مع فقدانى الصديق وليد الباز، الذى لم يكمل الثلاثين من عمره وأنهت أحداث رمسيس أمس وتفاصيلها أحلامه فى مستقبل له وأهله ووطنه، مشهد لم أثق خلاله إلا فى صبر وإيمان والده الذى بدا لى أشبه بالجمل، متذكراً فى ابتسامته لحظة وفاة شقيقتى الكبرى قبل 18 سنة، حينما صمتت أمى أمام فراقها مكتفية بعبارة "كانت أمانة وعادت لمن وهبنا إياها".

مشهد غياب وليد سبقه افتقادى رفيق الدراسة والطفولة وابن الجيرة، مدحت إبراهيم، صاحب الابتسامة والخلق وبشاشة الوجه والروح الطيبة، والرواية الأقرب إلى تصديقى لها كما حكاها أصدقاء مشتركون، أنه ذهب إلى اعتصام رابعة صبيحة يوم "الفض والفضح"، ليعود بشقيقه المعتصم هناك مع الجماعة التى لم ينتم "مدحت" يوماً إليها على حد علمى، لكن شقيقه عاد بينما ذهب صديق الطفولة بلا عودة إلا فى نعش حمله بعض أعضاء التنظيم الذى يظهرون فى جنازات متتابعة كآلهة لا يجوز للموت الاقتراب منهم وذويهم.

فى المقابل، تتزايد حالات ضحايا العنف المسلح للتنظيم تحت مرأى ومسمع من الحكومة، فنفس أحداث الأمس فقد خلالها زميلنا الصحفى سيد الخمار ابن عمه على أيدى إخوان مسلحين، وبات جيرانى فى رعب جراء تهديدات التنظيم بحرقهم لتجرؤهم على رفع صور عبدالناصر بوجه مسيرتهم التى تحولت إشارات أياديهم بـ"رابعة" إلى خارجة تحركت خلالها الأصابع الوسطى باتجاه رافضى سب الجيش ومكفرى المصريين.

أمام هذا العبث لم أعد أفهم لماذا تصر حكومة الببلاوى على الإبقاء على كل الأبواب مواربة، حكم بحظر التنظيم وتجاهل لتنفيذه، وفرض حالة طوارئ دون اعتقال أى خطرين على الأمن المجتمعى، وحظر للتجول دون تعرض لمخترقيه، ثم تقديم ضمانات أكبر لقيادات التنظيم المحظور بمحاكمات ناجزة عادلة دون تفسير واضح لإهمال حقوق مطحونين وإفشال عملية دمجهم فى مشروع وطنى وقومى جامع يجعل انتماءهم الأول لمصر لا لجماعة أو تيار، وصولاً إلى حالة اليأس والإحباط المفتعلة التى باتت تسيطر على كثيرين لا أستبعد نفسى منهم، جراء السطو على استحقاقات المصريين كافة.

كل الدم المصرى حرام، وأقبح صور الغباء السياسى استغلال أزمة فى بناء ديكتاتورية جديدة، فتجربة المصريين خلال ثلاث سنوات مضت تؤكد أن الحاكم مجرد استثناء وأن إرادة الشعب قاعدة سيلتزم به القائمون على الحكم رغم أنف كبيرهم.

اقرأوا الفاتحة على روح وليد وروح مدحت، كما رفعتم الدعاء لجيكا والجندى والحسينى، ولا تستثنوا مصرياً شريفاً من حرمة الدماء.
الجريدة الرسمية