رئيس التحرير
عصام كامل

لبنان يبكي ضحايا السفينة الإندونيسية والسياسيون يتبادلون الاتهامات.. الحادث كشف الإهمال في «الأطراف اللبنانية».. الصراع بين السنة والشيعة يصل ذروته.. والنخبة المارونية تحاول صدارة المشهد من

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

قضى لبنان أمس ليلة مختلفة عن كل الليالى، فقد عم الحزن البلاد إثر عودة 18 من الناجين من كارثة غرق السفينة الإندونيسية التي كانت تحمل مواطنين لبنانيين يحاولون الهجرة إلى إستراليا ليحكوا مأساتهم، وكيف مات أهاليهم أمام أعينهم؟

شعر اللبنانيون بالحزن منذ لحظة وقوع الكارثة في نهاية الشهر الماضي ولكن بالأمس عاش اللبنانيون على مختلف مناطقهم وطوائفهم يوما مؤلما بعد أن تحولت الكارثة من خبر تتناقله وسائل الإعلام تتحدث فيه عن أعداد الضحايا إلى واقع حي ومأساة إنسانية يرويها من عاشها والدموع تسبق كلماته.

الكارثة كشفت جانبا من جوانب الحياة في لبنان يجهله العالم ولكن يعلمه اللبنانيون ويدركه ساستهم، وإن كانوا يتجاهلونه، وهو أن هذا البلد الجميل الذي يوصف بأنه سويسرا الشرق، تعاني أطرافه الجغرافية أشد أنواع الإهمال، وخاصة إقليم عكار في شمال لبنان، والبقاع في شرقه، وهو الإهمال الذي انفجر في شكل موجة هجرة من قبل أهالي منطقة عكار الجزء الأكبر منها غير شرعية، وانفجرت في شكل عنف وزراعة مخدرات وتهريب في البقاع المهمش بدوره رغم أنه ظهير المقاومة.

غرابة هذا التهميش كما يرى مثقفون لبنانيون تنبع أنه بعد الحرب الأهلية باتت النخبتان السنية والشيعية (أو ما يسمى السنية السياسية والشيعية السياسية) هما اللتان تحكمان لبنان أو تسيطران على الجزء الأكبر من مقاليد الحكم بدلا من النخبة المارونية (التي تسمى المارونية السياسية) التي كانت تسيطر على البلاد قبل الحرب الأهلية.

ومع ذلك فإن النخبة السنية ممثلة في تيار المستقبل، بزعامة رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري أهملت الشمال وخاصة منطقة عكار والتي تسمي في لبنان خزان السنة، في حين أنها ركزت على تنمية مدينة بيروت.

وكذلك الأمر بالنسبة لـ"الشيعية السياسية" ممثلة في حركة أمل وحزب الله فقد ركزت على إعمار وتنمية جنوب لبنان باعتباره جبهة المقاومة، بينما أهملت البقاع بشكل كبير رغم أنه ذو غالبية شيعية وهو ظهير المقاومة وقاعدتها الخلفية، والنتيجة الوضع الحالي، فجوة هائلة بين هاتين المنطقتين وبين بقية مناطق لبنان.

هاتان النخبتان السياسيتان أسرعتا لتبادل التهم حول المتسبب في الحالة المتردية للإقليمين، فقد اتهمت الكتلة النيابية لتيار المستقبل حزب الله وسلاحه بالمسئولية عن المأساة الإنسانية التي وقعت في أعالي البحار بين إندونيسيا وإستراليا.

وهو الاتهام الذي انتقده البعض بشدة، واستغربوه ومنهم وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور، في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط، مؤكدا أن البعض يصر على تسييس هذه الكارثة الإنسانية التي يجب أن يتضامن معها اللبنانيون.

ولكن هذا لم يمنع النائب عمار حوري، القيادي البارز في تيار المستقبل من إعادة التأكيد على هذا الموقف وشرحه بأن "السلاح غير الشرعي هو أحد الأسباب التي دفعت اللبنانيين إلى السفر بطريقة غير شرعية"؛ لأنه أدى إلى تهالك هذه الدولة وما ترتب على ذلك من أوضاع سياسية وأمنية واقتصادية، قائلا "لو كان لدى هؤلاء المواطنين فرص حقيقية للعيش لما تركوا وطنهم"، موضحا أن "فرص العمل تأتي من خلال النمو والاستقرار، وفي ظل الدولة المتهالكة تراجعت هذه الفرص".

ولكن الرد على حوري -الذي قال هذا الكلام في أحد البرامج الحوارية اللبنانية- لم يأت من خصومه في قوى 8 آذار بل جاء من الشيخ على الخضر إمام مسجد بلدة قبعيت (صاحبة النصيب الأكبر من المأساة حيث فقدت وفق أرقام غير نهائية نحو 17 من أبنائها في الحادث الذي راح ضحيته نحو 20 لبنانيا وعدد آخر مازلوا مفقودين).

إمام مسجد قبعيت رد على كلام نائب تيار المستقبل بالقول "إن سلاح المقاومة هو الذي حمى لبنان، وأن المناطق الذي يتواجد فيها هذا السلاح تتمتع بوضع اقتصادي، جيد في إشارة إلى جنوب لبنان الذي شهد عملية إعمار واسعة خلال السنوات الماضية".
وحمل الشيخ على الخضر مسئولية إهمال عكار إلى الحكومة (التي يسيطر عليها حاليا 8 آذار)، ولكنه ألقى اللوم أيضا على النواب السنة في المنطقة (معظمهم من تيار المستقبل).

وطالب الخضر حوري بعدم التهرب من المسئولية بدعوى سلاح المقاومة قائلا "لا يوجد سلاح في قبعيت، ولا يوجد أيضا مياه، ولا كهرباء ولا طرقات، ولا صرف صحي"، ودعا إلى عدم استخدام السلاح ذريعة للهروب من الأسباب الحقيقية، السبب في هجرة أهالي قبعيت هو الطرقات المعبأة بالوحول، فعند نزول المطر تدخل الوحول إلى مساجدنا وبيوتنا.

وقال حسان الرفاعي عضو المكتب السياسي في "تيار المستقبل" إن رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري اهتم خلال فترة حكمه بمنطقة عكار، والدليل على ذلك هو حب أهل عكار له، مشددا على أن هذا الحب ليس فقط لأن الحريري هو زعيم السنة ولكن أيضا لاهتمامه بالمنطقة، لافتا إلى أنه بعد ذلك لم يتح لتيار المستقبل سواء قبل مقتل الحريري أو بعده فرصة حقيقية للحكم بسبب الاغتيالات، والحروب، وأخيرا خروج التيار من الحكومة الأخيرة.

في المقابل، فإن الرفاعي يحمل الحكومة الحالية المسئولية، وخاصة أن رئيسها نجيب ميقاتي هو من شمال لبنان، وهو من أثرياء لبنان بل هو أكثر ثراء من زعيم تيار المستقبل سعد الحريري.

ومن جانبه، قال خالد حدادة أمين عام الحزب الشيوعي إن الرأسمالية اللبنانية منذ نشأتها وبالأخص في السنوات الأخيرة رأسمالية ريعية، وبالتالي هي تهمل الزراعة وعكار والبقاع هي أهم المناطق الزراعية في البلاد، كما أن هاتين المنطقتين تعدان من مناطق الأطراف التي تهمل عادة في دول العالم الثالث حتى ولو في دولة صغيرة مثل لبنان.

وتاريخيا كانت المحافظة معزولة عن باقي لبنان، خاصة أنها جزء من شمال لبنان الذي انضم متأخرا إلى دولة لبنان الكبير التي أسسها الفرنسيون في عشرينيات القرن الماضي، حيث كان الشمال ولاسيما عكار أكثر ارتباطا جغرافيا وتاريخيا بسوريا.
الجريدة الرسمية