اللواء عبد المنعم سعيد -أحد المخططين بالحرب- لـ"فيتو": نصر أكتوبر تحقق بتكاتف الجيش والشعب.. والتخطيط الجيد هو مفتاح النجاح.. الضربة الجوية كانت ناجحة ومؤثرة وتسببت في شل قوة العدو
التخطيط هو مفتاح نصر أكتوبر المجيد، فكتائب الاستطلاع تقوم بالعبور ودراسة موقف العدو وإمداد القادة بالمعلومات، مما سهل المهمة في حرب أكتوبر، والذي تم على أساسه تدريب الجنود على العبور والعمليات.. ومن هؤلاء المخططين اللواء أركان حرب عبدالمنعم سعيد، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة الأسبق.. التقت "فيتو" به وحاورته:
* حرب الاستنزاف لاتقل في أهميتها عن معركة العبور.. حدثنا عنها؟
كنت أثناء حرب الاستنزاف مقدم أركان حرب، ورئيسا لفرع التخطيط بقيادة الجيش الثاني وبدأت الحرب يوم 8 مارس 1969 بقصف نيراني على امتداد الجبهة بالكامل لمدة 4 ساعات تدك فيها مواقع إسرائيلية، وتعلن لهم أننا لم نتركهم يهنأون بأرضنا أبدا وأننا لن نجعل جفنا لهم يغفل بعد الآن.
واشترك في قصف المدفعية كل من الجيش الثاني والثالث معا وألحقت خسائر كبيرة في خط بارليف الذي ظن العدو أنه سوف يكون الحائط الذي يختفي وراءه ويمنعه من المصريين.
وفي اليوم الثاني حضر الفريق عبد المنعم رياض إلى الجيش الثاني يطلب من اللواء عدلي سعيد، قائد الجيش، أن يزور الجبهة الأمامية للقتال فكانت المفاجأة التي أذهلت الجميع، ورد عليه عدلي قائلا خطر عليك يا أفندم، ولكن رياض البطل رد قائلا أريد أن أزور أولادي على الخط الأمامي وألتقي بهم وأعرف شعورهم وفعلا ذهب معه إلى موقع المعدية نمرة 6 والتقي بأفراد الخندق الموجودين هناك.
وتحدث معهم ثم قال ألا يوجد عندكم شاي يارجالة ولا إيه؟ فذهب أحد الجنود لعمل الشاي له وهو فرحان بوجوده معهم وأخذ رياض يستطلع الجبهة ويتابع أعمال المدفعية حتي أحس الإسرائيليون بوجود شخصية كبيرة تزور الموقع، وقصفوه واستشهد قبل أن يذهب إلى المستشفي وقبل أن يشرب كوب الشاي الذي طلبه.
مما ضرب لنا مثلا في أهمية وجود المخطط بموقع العمليات لمتابعة الجديد في الخطة وتعديلها حسب الوصف ويستشهد الفريق عبد المنعم رياض ليرفع الروح المعنوية للجنود والضباط، الذين حلفوا أنهم لن يتركوا ثأره ولن يتركوا العدو يهنأ لحظة على أرضنا المغتصبة.
وتوالت العمليات وتولي بعده الفريق أحمد إسماعيل واستمرت حرب الاستنزاف وكنا نعد لها خطة كل شهرين يصدق عليها وزير الحربية، ونقوم بتنفيذها على خط المواجهة وأغلبها كانت قصفا نيرانيا على الأماكن الحصينة للعدو وكمائن بواسطة الصاعقة والمشاة داخل العمق الإسترتيجي للعدو.
بالإضافة إلى أننا زرعنا قناصة في الأشجار الموجودة على الجبهة وبمجرد خروج رأس إسرائيلي من الخندق يقتلونه فورا، وبعد ذلك تنوعت المهمة كلها لتنفذ المهمة الرئيسية لحرب الاستنزاف وهي وضع العدو في حالة استنفار دائم تؤثر عليه اقتصاديا وسياسيا ومعنويا، لأنه يعتمد على جنوده ونحن جعلنا حالتهم المعنوية في الأرض وأصبح لديهم رعب.
* ما أشهر العمليات التي تم تنفيذها في حرب الاستنزاف؟
قمنا بعمل إغارتين تمتا في وقت واحد، كمين طلع من الفرقة 18 شمال القنطرة والآخر قطاع بورسعيد جنوبا، واستولينا على نقطة قوية للعدو وقمنا بمهاجمتها وظللنا فيها يوما كاملا، ثم جاءت الأوامر لنا بالانسحاب لأن العدو سوف يقصفها بشراسة واقترب منا.
*حدثنا عن ذكرياتك لحظة العبور في 6 أكتوبر؟
لا يتصور أحد عندما مرت الطائرات فوق رءوسنا مخترقة القناة إلى الضفة الشرقية، هذا المنظر ألهب من قلوبنا وقلوب الجنود الذين هتفوا في صوت واحد الله أكبر الله أكبر مما زلزل الأرض تحت أقدامهم الطاهرة ومهد لهم الطريق للعبور.
وحققت الضربة الجوية 95% من المهام المخططة للقوات الجوية مما وفر الضربة الثانية وهدفها الرئيسي المفاجأة، وشل العدو بعد قصف مراكز القيادة والسيطرة على طول خط الجبهة وداخل العمق مما ساهم في عبور قواتنا البرية.
بالإضافة إلى التمهيد النيراني من المدفعية والذي استمر 52 دقيقة بمعدل 140 طلقة مدفعية في الدقيقة الواحدة دون توقف كما ضربت 10050 دانة مدفع في الدقيقة الأولي على طول الجبهة فحققنا أكثر ما كنا نتوقع.
* الضربة الجوية كانت المفتاح الأول للنصر ولا زالت تدرس حتى الآن.. حدثنا عن تخطيطها؟
بصراحة لا يستطيع أحد تجاهل التخطيط الجيد الذي قام به سلاح الطيران لهذه الضربة، كان فوق الخيال، فالضربة الجوية ليست بالسهولة التي يعتقدها البعض أن تقوم مجموعة الطائرات من مختلف المحافظات، وتضرب في نفس الوقت وتحلق على ارتفاع منخفض حتي لا ترصدها ردارات العدو.
على الرغم من أن سرعات الطائرات مختلفة عن بعضها وتسليحها أيضا مختلف وتحقق الطائرات المهمة الموكلة إليها في عمق العدو وتعود يرافقها المقاتلات على الأجناب لحمايتها ويتزودون بالأسلحة والوقود، ويعودون مرة أخرى، فعلا تلك معجزة منقطعة النظير، بالإضافة إلى أن الضربة الجوية الأولي بنتائجها المبهرة وفرت الضربة الثانية.
* برغم ما تم في أكتوبر من معجزات كانت هناك معجزة لا تقل أهميتها عن الحرب وهي تلاحم الجيش مع الشعب.. حدثنا عن شعوركم والشعب كله يترقب النصر؟
روح الشعب كله أثناء حرب أكتوبر كانت تتصف بالإيمان العميق بالله والعودة إليه بالإضافة إلى حب الوطن، فشعار مصر أولا وقبل كل شيء كان أمام كل مصري سواء جنديا ولا مدنيا فكانت.
هناك روح جميلة لمؤازة القوات المسلحة في مهامها وهي ما دعمت الجنود من الاستبسال للحصول على النصر أو الشهادة، فهي ليست حربا عسكرية بالجنود والضباط فقط، ولكن انصهر الشعب مع قواته وتم تنفيذ المهمة بنجاح وعودة الأرض الذي دنسها العدو، وتم طرده نهائيا منها ورمال سيناء خير شاهد على الدماء الطاهرة التي سالت لاستردادها.
واسترجعنا هذه الروح مرة أخرى عقب ثورة 30 يونيو التي أعادت التلاحم مرة أخرى بين الجيش والشعب الذي خرج مفوضا قواته المسلحة في الحرب على الإرهاب...