رئيس التحرير
عصام كامل

لصوص الثورة وشعاراتها


حينما يرفع تنظيم الإخوان المحظور شعار اليسار المصرى "الثورة مستمرة"، ويلطخ به جدران الشوارع خلال مسيراته وتضعه جريدته عنواناً لأحد أعدادها، فأنت أمام لصوص لكل جهد مصرى بُذِل قبل وبعد يناير 2011 بحثاً عن حق وحرية وعيش وكرامة وعدالة.


بداية سرقة الثورة كانت عن رغبة صناعها، حينما سمحوا لمجموعة الأفاقين بدخول ميدان التحرير بعد امتناع حتى اطمئنان إلى سقوط الجهاز الأمنى القمعى لمبارك، حتى إذا ما كانت افتكاسات تضحية شباب التنظيم فى موقعة الجمل "المشبوهة"، حاضرة أمام حالات الشد والجذب بين "دبر" النظام ورائحة المستكينة على سريره ممارسة أقذر ألوان البغاء السياسى، كانت الشعارات الثورية قد تحولت تباعاً بين المغتربين داخل الميدان إلى حصص دينية، بينما أرباب التنظيم داخل الأحياء الشعبية مشغولون بإبعاد أكبر قدر ممكن من الثائرين الجدد عن الميادين، بزعم حماية منازلهم.

ومروراً بابتعاد التنظيم ثانية عن الميدان ليتواطأ على الثورة مجدداً مع فشل متعمد لحكومة عصام شرف ثم جريمة نكراء بحق الثوار فى محمد محمود حتى "جرجرة" ضحايا جدد فى أحداث العباسية وغيرها، بينما الجماعة تحيا دور "خضراء الشريفة" على أسرة العسكر مستمرة فى تصفية الثورة بإيماءاتها وحركاتها السوقية، فتارة تجد داعياً لها على منبر يشوه الثوار، وتارة تكفر فضائياتها المجرمة القوى السياسية، حتى إذا ما حضرت انتخابات البرلمان ظهرت افتكاسة "ما تنتخبش محمد الكافر المنافس للإخوان"، ثم إذا ما اقتربت من منالها الأعظم فى حصد كل شىء احتفلت بمقعد الرئاسة قبل إعلان نتيجة الانتخابات وهددت مسبقاً ومعها مجموعات فوضوية بإشعال الوطن حال نجاح غير مرشحها.

وبعد إسقاط مرسى فى 3 يوليو، تفرغت القوى السياسية لاحتفالات انتهت بصعود الببلاوى رئيساً للوزراء دون أن تعترف هى بذلك أو تراجع مواقفها من سياسات حكومته، فبدأت الجماعة المحظورة المحاصرة بسلاحها فى اعتصامى رابعة والنهضة فى تنفيذ أوامر مرشدها برفع شعارات يناير 2011 بدلاً من شعار "عودة الشرعية" الذى ثبت فشله وعدم جدواه للتنظيم وغياب تعاطف قوى للمصريين معه بسبب جرائم شتى منسوبة إليها منذ كانت فى السلطة وحتى الآن، حتى وصل الحال إلى قيادة الغلابة فى المسيرات تحت شعار الثورة مستمرة، بينما تعلو أصوات الانفجارات والرصاص بأياديها ضد الشعب وجيشه ومؤسساته هنا وهناك.

والحال كذلك، لم يعبر تيار له تمثيل داخل حكومة الببلاوى ركيكة الأداء مثالية الألفاظ رحيمة التوجه الرأسمالية، عن مواقف واضحة داعمة لحقوق الطبقات المطحونة، فلا تشعر باستحياء التجمع أو الناصرى أو الكرامة أو الوفد وقياداتهم هنا وهناك، من حد أدنى شامل للأجر لا يبدو معه إلا استخفافا بالعقول وسرقة جديدة لاستحقاقات المصريين بعد ثورتهم ضد الإفقار، بل زادت حكومة "حازمون" الليبرالية على إجراءاتها باعتراف وزير منها خلال مؤتمر اقتصادى قبل يومين، بتجهيز حزمة إجراءات لرفع الدعم تدريجياً ليغيب عن الفقراء خلال سنوات بدءاً بالوقود والطاقة، وكأنه لا يرى كيف ولماذا تقوم الثورة فى السودان.

القوى الثورية باتت تتعامل مع شعارات الميادين على أنها جزء من الماضى، خاصة بعد حكم حظر الإخوان مجدداً، وربما تفرغت لحصاد ليس بيديها لتتقاسمه مع الحكومة الجديدة، أو تتوقع تزويراً لانتخابات مقبلة ليجرى "تمكينها" بدلاً من الجماعة، ولا تلتفت إلى إجراءات الإخوان على الأرض، إفراط فى إنفاق على تنظيم يتسع بتزايد أزمات المصريين ولعب فى آذان المحبطين وتحالفات مع البلطجية على اتساع خريطة انتشارهم، بينما اللعبة الانتخابية المقبلة والتى ترحل حكومة الببلاوى إعلان نتائج عملها إلى موسمها أو ما بعدها، تحتاج إلى عقلية أخرى.. عقلية بلدى تطبق المثل الشعبى "اللى يختشى من حكومة الببلاوى.. مايجيبش منها حقوق" .
الجريدة الرسمية