أنا والإخوان وهواك "5"
كنت أقترب من البوابة الخلفية لمبني مباحث أمن الدولة وأنا في قمة الاندهاش، العسكري علي البوابة ترك الباب لجحافل الطلبة تمر إلي داخل المبني، باغت العسكري ولم أدخل بل أكملت الطريق والدهشة تكاد تجعلني أنكفئ علي وجهى، كل هؤلاء جواسيس علينا، ضاحكا قلت في نفسي إن الجامعة مقسمة إلي ثلاثة أقسام، الثلث الأول يعمل في السياسة والجزء الثاني يتجسس عليهم أما الجزء الثالث فهم الحبيبة، ذابت الدهشة ليحل محلها الغضب، كان من ضمن الوجوه التي قابلتها أحد زملائي أعرفه منذ المرحلة الإعدادية ضاحكا قال إن الجميع هنا يعمل ضد الجميع، فالإخوان يبلغون عنكم وبعض الإخوان يبلغون عن بعض، وبعض اليساريين يبلغون أيضا عن الإخوان وعن زملائهم من اليسار، أما مهمتهم هم كجواسيس فتنحصر في متابعة كل العناصر، كان يضحك لسذاجتي، ثم حذرني أن اسمي أصبح بعد اشتراكي في المظاهرة موجودا بشكل دائم في مباحث أمن الدولة وأن ملفي يجري إعداده الآن، ثم قال لي بشىء من الجد إنه يستطيع أن يقنع الجميع بأنني شخص مسالم إذا تمت بيننا صفقة بسيطة، أن أسلمه معلومات عن أعضاء الحزب الشيوعي في الجامعة ومعلومات أخري حول القيادات السرية لتنظيمات الإخوان في الجامعة، وطبعا قوبلت تلك الصفقة بالرفض.
مرت الأيام وأدركت أن ملفي في أمن الدولة أصبح متخما، وبدأت أتلذذ بمطاردات المخبرين وإخفاء المنشورات، ثم قررنا عمل معرض حول تاريخ الحقبة الناصرية وكان تركيزنا حول أسباب نكسة 1967 من الناحية االعسكرية وأقوال قادة الجيش الإسرائيلي، وأقمنا المعرض علي صوت عبد الحليم حافظ بعد أن دفعنا كل ما في جيوبنا وتبرع أحدنا بالكاسيت وآخر بالميكروفون الضخم ليظهر صوتنا في جنبات الجامعة، وجاء شباب الإخوان يباركون لنا المعرض ووقفوا بين اللوحات يقرأون ويسجلون في أجنداتهم ملاحظاتهم عن المعرض، ومر اليوم بسلام.
وبعد أسبوع وجدت صديقي المتعامل مع أمن الدولة يأتيني قائلا إن شباب الإخوان اتصلوا بأمن الجامعة من أجل أن يقيموا معرضا آخر للرد علي معرضنا، وأنهم حصلوا علي موافقة مبدئية أن يكون المعرض في قاعة المسرح، كان صديقي يسر إليّ بالمعلومة حتي انقلها إلي قيادات اليسار ويتحول العمل السياسي داخل الجامعة إلي معارض للرد تنتهي بخناقات ومحاضر شرطة، وأقام الإخوان معرضهم علي أصوات فلسطينية وشامية تشدو أغاني إسلامية، أما المعرض فكان يجرح في عبد الناصر وشخصه ويتزيد ويتقول عن الرجل بشكل فج، أما باقي المعرض فكان مليئا بالمغالطات التاريخية عن الحقبة الناصرية، واجتمعنا للنظر في أسلوب الرد علي الإخوان ولكن اتخذنا القرار بألا نرد حتي لا ننزلق إلي صدامات داخلية تشغلنا عن أهدافنا الأساسية.
واتصلنا بشباب الإخوان للمعاتبة وأيضا لتوضيح الرؤية بأن الأمن يريد أن نتصادم ولكنهم كانوا يشعرون بالقوة بعدما وافق لهم الأمن علي استغلال قاعة المسرح التي حولوها إلي شبه احتلال منهم وامتد معرضهم إلي أكثر من أسبوع، ثم تم استدعاء والدي لأمن الدولة للمرة الثانية.