رئيس التحرير
عصام كامل

محمود عبدالله.. المحام الذى لا يُطْرِب


حينما تجد مبدعاً أمامك أو متألقاً فى عمله، تأكد أن أسباباً وراء ظهوره ربما على عكس توقعاتك، فمصر هى البلد الوحيد الذى لا تستطيع التأكد داخله من نجاح أى تقييم لدراسة جدوى تضعها لأى مشروع.


المقدمة أسوقها إليك بينما أنحنى وأرفع القبعة لذى جهد وفكر قانونى وسياسى داخل اليسار المصرى وهو المحام محمود عبدالله الحاصل على حكم أمس الأول من قاضى الأمور المستعجلة بحظر تنظيم جماعة وجمعية الإخوان وما تنبثق عنها من تشكيلات ومؤسسات والتحفظ على أموالها وأصولها المنقولة والثابتة، لحين الفصل القضائى فى اتهام قياداتها بممارسة الإرهاب المسلح ضد الشعب ومؤسسات دولته.

الحكم يحمل ضمن أوراق القضية غير المكتوبة أو الموضوعة أمام القاضى، معاناة محامى حزب التجمع من موروث عفن ونجس وقذر ينتقل من أجيال إلى أخرى داخل مجتمعات المهمشين بالأخص، مفاده أنك أمام جماعة "الله" فى الأرض، يخرج منها المنزهون عن الهوى، وربما هى الحالة التى أحاطت بمحمود عبدالله داخل منطقة سكنه ومعيشته بعزبة مرسى خليل بالزيتون، والتى تجرى بين أهلها كغيرها من المناطق عملية تمييز بين أبناء العائلة الواحدة وداخل الأسرة الواحدة على أساس الانتماء إلى الجماعة ومن على شاكلتها كحاملة للدعوة الإسلامية ومدافعة عن الشريعة وحارسة للعقيدة.

وأعتقد أن معاناة "عبدالله" ظهرت فى تقديراته لخطورة موقف الجماعة التاريخى من الشعب المصرى وحقوقه وحرياته وأولها "الحق فى الحياة"، حينما فند بتنظيره السياسى الممتزج بتفسيره القانونى كيف تحولت "جماعة اجتماعية" بما يحمله المصطلح من سمو، إلى تنظيم دموى سادى تقدم قياداته شباب الجماعة ضحايا لنزواتها وغبائها وفشلها النظرى والسياسى، زُر بيوتاً مجاورة لبيت "عبدالله" داخل نفس الحى السكنى كمثال لتكتشف بسهولة جريمة التنظيم، ثم مُر على ضحايا جرائمه فى الاتحادية وغيرها داخل مناطق مجاورة، حينما دعا المجنون أهله وعشيرته إلى سحق المعتصمين السلميين أمام الاتحادية قبل أن يذهب أرباب الجماعة إلى عائلاتهم لشراء جثثهم، حتى بات المحامى اليسارى يسمع فى جلساته على المقهى المجاور لمنزله أغلط الأيمان من إخوان منطقته بأن "الناصرى" الحسينى أبو ضيف هو ابن التنظيم السادى مثله مثل بقية ضحايا الحدث.

وسط هذه المعاناة وداخل هذه التركيبة المجتمعية المتسمة بخلل البنية وفساد الرأس يعيش أمثال "عبدالله"، حتى أصبحوا أكثر شعوراً بأن خطورة التنظيم انتقلت من قيامه طيلة 80 عاماً بـ"اللعب فى الدماغ" إلى مرحلة اللعب فى مناطق أخرى أكثر حساسية من جسد الوطن، ففجأة تحول المجرمون وتجار المخدرات إلى النضال بجوار حملة السلاح وفى حماية حراس العقيدة، وأصبح المبتعدون عن الثورة بوصفها رجس ومن عمل الشيطان هم صناعها وحماتها ومحتكروها، وباتت مواقفهم من أصدقائهم وشركائهم فى نظام مبارك أكثر تشدداً فى حماية سيدهم الولى الحميم، لدرجة أن لاعبى "الوطنى" انتقلوا خلسة إلى فريق "الحرية والعدالة" وبقى الثوار وحدهم مع الفلول والكفار كما صور اللصوص المشهد للأغبياء فى 30 يونيو.

حينما يفتح "عبدالله" شباك بيته لا يطل منه برأسه إلى على مساجد يحمل خطباؤها الإخوان والمتأخونون خطاباً تكفيرياً يستبعد المخالفين لرأى التنظيم، رغم أنهم نفس الخطباء داخل ذات المساجد الذين دعوا إلى مبارك وزكريا عزمى والحزب الوطنى بأمر الجماعة، وحينما يمتنع عن الصلاة خلف أحدهم لا تطاله سوى ألسنة الجهلة بالسوء، فبات يكررها لمن حوله بأن "زمار الحى لا يطرب"، حتى أصبحت كلمات أجهلهم عن علاقته بربه أكثر خطراً عليه من صدور حكم قضائى بإعدامه، ووقتها لن يكون القاضى فاسداً أو على غير هوى التنظيم المحظور بجماعته وجمعيته.

التحية المنقولة إلى محامى قضية "الحظر الجديد للإخوان"، وجوبية التكرار لروح الراحلين المناضلين سيد فتحى المحامى ابن دائرة بهتيم المتشابهة مع ظروف مجتمع "عبدالله"، ومحمد عبدالعزيز شعبان العامل النقى الذى تشهد جنازته على عطائه، وآخرين أحياء فى مجتمعات الموات الفكرى والسياسى.. والجوع أحياناً.
الجريدة الرسمية