أنا والإخوان وهواك "4"
كان ضابط أمن الدولة عجيبا حقا عندما ذهب إلي والدي بنفسه ليشرب معه فنجان القهوة ويتحدث معه عن نشاطي داخل الجامعة، كان سر العجب أنه لم يستدعيني إليه ولكنه أدرك أننا أسرة أبوية، بمعني أن أبي هو المتحكم في تصرفات الأسرة كلها، ووجع الدماغ الذي أسببه في الجامعة سينتهي بمجرد ـ شدة ودن ـ من أبي .
في نفس اليوم عنفني أبي بشدة، بل منعني من الذهاب إلي الجامعة لمدة أسبوع كامل، حملة تفتيش علي مكتبتي التي تحوي كتب الناصرية والشيوعية والماركسية، أما أوراق التنظيم الناصري فقد تم حرقها بمعرفة أمي، أسبوع كامل وأنا في حالة تفكير مرعب أن ياتي الضابط برجاله في شارعنا الهادئ الذي يعرف كل سكانه أبي ويتسبب في مشكلة، الألسن لن تقول إنني معتقل سياسي فقط بل قد تتزيد بأشياء أخري لا أحب أن تطال العائلة المناضلة القديمة الهادئة الآن، ومر الأسبوع وذهبت الي الجامعة مرة أخري مع تحذيرات ألا اتصل بهؤلاء الشباب مرة أخري، ولكن حدث أمر جلل.
وقعت أحداث الحرم الإبراهيمي، وقتل المستوطنون الإسرائيليون المصلين الفلسطينيين، وهاج كل العرب في مظاهرات عارمة، وتخليت عن حذري الأمني فاتصلت بالشباب الناصري الذين وجدتهم ينتظرون اتصالي لنجتمع ونبدأ في التنسيق للتحرك، واتصلنا بشباب الإخوان الذين كانوا يجهزون لمظاهرة عارمة، واختلفنا مع الإخوان في بعض الأمور التنظيمية مثل الشعارات التي سترفع علي اللافتات، فالإخوان يريدون فقط ـ الشو الإعلامي ـ مجرد مظاهرة تظهر قوة الإخوان في حين أننا نحن الناصريين كنا نريد طبع منشورات تعرف الطلبة بتاريخ المجازر الإسرائيلية، وانتهي الاجتماع برفض اقتراحنا وتحملهم ـ أي الإخوان ـ عبء المظاهرة بالكامل.
واشتركنا في مظاهرة الحرم الإبراهيمي بشكل رمزي، بمعني آخر لم يكن لنا وجود تقريبا، إلا بالهتاف والتحرك وفي مسيرة المظاهرة، ووجدت فتاة فلسطينية أعرفها من كليتي، كانت تمسك بكوب النسكافيه ترتشف منه وتبتسم لمشهد الشباب المصري وهو يتظاهر، تركت المظاهرة وذهبت إليها سائلا عن موقفها، قالت إنها طالبة فلسطينية وافدة والحكومة المصرية أعفتها من المصروفات وأيضا تقيم في بيت الطالبات فضلا عن ذلك تعطيها إعانة شهرية، وهي لن تنضم إلي أي مظاهرة حتي لا تفقد هذه الميزات الكبيرة، وأردفت أن عائلتها مقيمة بين الأردن وسوريا ولبنان، بمعني آخر المسألة لا تعنيها، قلت لها ـ بحماس ـ شكرا.
وبدأ اليوم ينتهي، وتركت الجامعة لأذهب إلي مدينة الزقازيق لشراء كتاب في إحدي المواد، كنت أهوي المشي توفيرا للنفقات واكتشفت طرقا خلف الجامعة أستطيع منها أن أصل إلي تلك المكتبة بسرعة وفوجئت بعشرات الطلبة والطالبات بعضهم أعرف وجوههم والبعض الآخر لا أعرفهم يسيرون معي في تلك الطرق والشوارع الخلفية، ووجدتهم يدخلون شارعا ضيقا مرصوفا، بمنتهي الفضول سرت وراء هؤلاء لأجد الجميع يدخل الي مقر مباحث أمن الدولة من الباب الخلفي.