رئيس التحرير
عصام كامل

"سمكرة" الدولة و"ببلوة" الأجور


تضع حكومة الببلاوى الثورة فى مأزق حقيقى بسبب ليونة محتوى وتعريف السياسة الاقتصادية لمصر ما بعد 3 يوليو لدى شيخها الدكتور حازم وحيرة تأصيله وتأكيده دستورياً، وقفزها فوق صفة "انتقالية" إلى "تأسيسية"، فى مرحلة الصدمات الأمنية وما قبل الإرهابية التى أصبحت معها عقلية الدولة أشبه بالسيارة الخربة التى تحتاج إلى "سمكرة" جميع جنباتها، أو أقرب إلى "الكارو" التى أفلت حمارها من مسار الجر.


فعقب ابتعاد البرادعى عن منصب نائب الرئيس حفاظاً على "برستيجه" الدولى على أثر التعامل "الببلاوى" مع اعتصامات الإخوان وتوالى كوارث سقوط هيبة الدولة فى كرداسة وأسوان ودلجا، اكتشفنا أننا أيضاً بصدد رئيس وزراء يستحى وحكومته رفع أعينهم فى عين المنظومة الاقتصادية العالمية برأسماليتها المتوحشة، فبعد فشلها فى التعامل مع الملف الأمنى ربما لحسابات رقمية توهم بها العالم أنها أمام حرب ضد جماعات "إرهابية" بالمعنى الراسخ بالعقل الجمعى الغربى، لا "تختشى" أمام حقوق شعبها الثائر مرتين، فى حد أدنى ملائم للأجور.

وبالنظر إلى مواقف حكومة "سى حازم" من مسألة العدالة الاجتماعية، ووجود وزراء منعدمى الأثر ينتمون لتيارات عاشت تتغنى بمصطلحات الثورة وتوزيع الثروة، تكتشف أنك أمام "خبثاء" سياسة و"صيع" اقتصاد و"عربجية" نظريات يجيدون فن الإبقاء على الأزمات المختلقة وحقنها بـ"جين" الاستدامة.

وحكومة الببلاوى التى ضحكت على المصريين بـ 1200 جنيه كحد أدنى "شامل" مارست "الصياعة الاقتصادية" من أوسع أبوابها حينما امتنعت عن الإفصاح عن مصادر تمويله وآليات ترتيب أوضاع مستحقيه داخل مؤسسات الدولة، وتحديد سقف واضح للحد الأقصى ومستحقيه وطرق تمويله، وكيفية تقنين ميزانية المستشارين بأجهزة الدولة، قبل أن تلقى بكرة اللهب فى ملعب القطاع الخاص ورجال الأعمال فتبدأ مرحلة إنكارها ضمنياً وجود شركات قطاع أعمال خربت وبيعت بعمليات مشبوهة، ثم "صياعتها" مرة أخرى على العمال ببيعهم إلى طبقة "المساومين الجدد" على استحقاقات الشعب عقب ثورتيه، لتتجدد مكاسبها الأوسع مستقبلاً فى إعفاءات وامتيازات تعزز احتكارات وتغيب سوقاً تنافسية تبحث عن لاعبين حقيقيين لمصلحة المواطن.

صياعة الحكومة تجاوزت نطاقات البر والبحر والجو بإهمالها الحديث عن معدلات التضخم التى تأكل أي استحقاقات للمصريين، وترتفع لأكثر من 20% سنوياً حسب تقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء خلال السنوات الأخيرة، بخلاف استقرار خط الفقر المصرى عند مبلغ 257.5 جنيها شهرياً للفرد، لتجد عائل الأسرة المكونة من 5 أفراد بحاجة إلى ما يزيد على الحد الأدنى "الشامل" الذى أقرته سياسات "الببلوة"، حتى يستطيع توفير "أى نوع من الطعام" يقدم من خلاله السعرات الحرارية اللازمة لضمان بقاء أسرته على قيد الحياة، دون أدنى مراعاة لحسابات نفقات التعليم والعلاج والمسكن الملائم والملبس والانتقالات وغيرها، ما يعنى غياب جدوى "سى الحد" بعد أشهر قليلة طالما لم يرتبط بقرارات تحريكه بالتوازى مع مؤشر التضخم.

ومع تراجع مؤشرات نجاح سياسات حكومة شيوخ الرأسمالية التكافلية، تنتقل أسباب الفشل إلى موضوعات للجدل حول ماهية الحاكم الجديد المرتقب، وعودة أتباع الوطنى والإخوان برلمانياً، وسط تجاهل متعمد للرد على التساؤل الأهم: "متى يتحرر القرار الوطنى من التبعية وتعلو السيادة والإرادة الشعبية فى مواجهة قوى الفساد والتخلف"؟

الثورة عادة تعترف بحقوق وحريات، التزامات واحتياجات، تطلعات وأمنيات، وتجربتا يناير ويونيو أكدتا حقيقة أن مفتقدى هذه وتلك هم من يحركونها، دون مراعاتهم ترتيبات الأوضاع الإقليمية وحسابات المراكب الدولية السائرة، وهى طريقة تفكير مغايرة للطريقة "الببلاوية" التى تراعى حسابات وأطر السياسات الاقتصادية السائدة والمتسيدة، وعينها على هامش الفساد الذى يتيح للمواطن "تصريف" حاله مجدداً.. وفقط.
الجريدة الرسمية