أنا والإخوان وهواك "3"
مرت فترة الثانوي وأنا أتخبط قليلا بين فكر الإخوان والفكر المعتدل، والدي يتابع عن كثب، وانتهز الفرص لأسأل إمام الجامع فيما يغمض علىّ، ودخلت الجامعة والتحقت بكلية الحقوق وقد ترسب الفكر الديني بالنكهة الإخوانية في دمي، وكانت النقلة القوية لحياتي الفكرية هي الجامعة.
مهرجانات مستعرة من الأزياء، شباب وبنات وسيارات وأحدث موضات، كافيتريات عامرة ومدرجات خاوية وحب جديد ينبض، وأفكار تلقي بظلالها على أرصفة الجامعة والجميع ينهل من ثمارها، الأسر الدينية والجماعات التي هي جزء من الإخوان والذراع الطلابية لها داخل الأروقة تقوم بأنشطة مكثفة، الأسرة الدينية في كلية الحقوق كانت تطبع الامتحانات السابقة وتوزعها على الطلبة بسعر رمزي، وأيضا رعاية للمغتربين ودفع مصروفات لغير القادرين، كنت أنظر للتصرفات بفكر حسن النية ولكن كان فكر حسن البنا هو الذي يتخلل تلك التصرفات، فقد كانت هذه إحدى أدوات استقطاب الجماعة لعناصرها داخل الجامعة، كان من الطبيعي أن أتصل بهؤلاء الشباب وأنضم إليهم ولكنني تريثت حتي أستطيع أن أتشرب أروقة الجامعة كاملة داخل عقلي وأرتب أفكاري قبل أن أنضم لهم، وخصوصا بعد تحذيرات والدي أن أمن الدولة يجد في الجامعة أرضية خصبة له للقبض على هؤلاء الشباب.
وحدثت النقلة الكبيرة في حياتي، عندما قررت العائلة فجاءة بيع بيت العائلة الكبير في طنطا وتقسيم ثمنه على الأم والأخوال، وكان نصيبي جزءً مهما من مكتبة جدي، لم يرق لأخوالي قراءة ماركس وانجلز ونيتشه وغيرهم من الفلاسفة فقرروا أن يعطوني هذه الكتب في مقابل أن يأخذوا هم الأغاني للأصفهاني ورحلات بن بطوطة ومقدمة بن خلدون والروايات.
والتهمت الكتب اليسارية التهاما بجوار دراستي التي كانت تشرح الفكر الاشتراكي باستفاضة، وبدأت أشتري الكتب التي تحكي الفترة الناصرية وتاريخ مصر، والتهمت في تلك الفترة كتب محمد حسنين هيكل، وكتاب أحمد حمروش المعجزة قصة ثورة 23 يوليو، وتحولت... نعم تحولت فكريا من ديني الفكر محب لجماعة الإخوان إلى يساري أو بالمعني الأدق ناصري.
وبدأ شباب الأسر الدينية في استقطابي بعد معرفتهم أنني كنت أتابعهم عن كثب ولكنهم ظنوا في بادئ الأمر أنني عنصر في أمن الدولة، ويبدو أن تحرياتهم قد أثمرت أنني مجرد طالب عادي وفقط، فقرروا ضمي إليهم، ولكن سبق السيف، لقد تغيرت فكريا، وبدأت في الاتصال بنادي الفكر الناصري ومؤسسة حمدين صباحي وللعلم أن هذا النادي محظور العمل داخل الجامعة غير الأسر الدينية التي تحتال على قانون الجامعات بطرق شتي منها تكوين تلك الأسر.
دارت معركة فكرية بسيطة بيني وبين شباب الإخوان عن سبب اعتناقي اليسارية، وانتهينا إلى أن التعاون بين جماعة الإخوان والخلايا الشيوعية داخل الجامعة قائم طالما أن العدو واحد وهو النظام، كنت أعلم تماما أننا بالنسبة لهم كفرة وملحدين، ولكن يبدو أن بروتوكولات خفية كانت قائمة بالفعل، في اليوم الثاني للاجتماع كان أحد ضباط أمن الدولة يزور والدي في العمل.