رئيس التحرير
عصام كامل

أسافين نظيف وألاعيب الببلاوى


حينما تضع أمامك صورتى أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق فى نظام مبارك، وحازم الببلاوى رئيس الوزراء الحالى فى حكومة ما بعد ثورة 30 يونيو، ربما تضطر إلى الاعتراف بخيبتك القوية فى التعامل مع أسافين الأول، وسوء فهمك لألاعيب الثانى الذى تستعيد معه المثل القائل "احترس من كل من اقترب من الأرض".


فى 2008 ومع مواجهة حكومة نظيف إضراب عمال غزل المحلة كانت وجهة النظر "الخبيثة" تذهب بالأول إلى تصفية جيوب المصريين والتعامل مع لقمتهم "الحاف" بطريقة الكعكة فى يد اليتيم عجبة، فكانت قرارات حكومته برفع الدعم الجزئى عن الوقود وتصنيف سيارات المصريين طبقاً لسعتها وموديل إنتاجها حتى تجرى عملية إعادة تسعير السولار والبنزين، ثم تحديد رسوم أعلى لاستصدار وتجديد تراخيصها، حتى شهادات الميلاد والوفاة وبطاقات الهوية وجوازات السفر جرت مضاعفتها، ثم كان قرار فرض ضرائب على عمليات التداول بالبورصة الذى تم التراجع عنه بعد سقوطها وخسارتها عقب تصريح وزير صغير فى الحكومة عنه.

وفى 2013 وبعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو على حكومات طفيلية مباركية ورأسمالية تجارية إخوانية ترى الوطن محل بقالة، حضرت حكومة الثانى "الببلاوى" بتشكيلها العنترى، وزير اعتصامات وإضرابات للقوى العاملة، ووزير قطارات متعطلة سابق للنقل، مع وزير تموين من إدارة مباحث لم تنجز كثيراً فى مجال مكافحة تهريب السلع، مع وزير داخلية تأخرت خطته لإصلاح الجهاز الأمنى، بالإضافة إلى وزراء بلا ملامح أو خطط ورؤى واضحة أو جامعة لتحديات المرحلة التى تحولت بفصاحة لسان الدكتور مصطفى حجازى مستشار الرئيس من "انتقالية" إلى "تأسيسية".

ولأن "الانتقالية" لم نعان خلال مراحلها سوى دفع الدماء والإفقار، و"التأسيسية" تشير إلى مصطلح سيئ السمعة يذكرنا فوراً بلجنة "الغريانى" لصياغة دستور الإخوان، لم يبق لنا سوى البحث عن حقوق مهدرة على أجندة "المؤسسين" لمرحلة حكم ما بعد 3 يوليو 2013 ، فلا يكفى أن تكون متفقاً ولو جزئياً مع هوية سياسية لبعضهم أو مناهضاً معهم "بالتلاقى" قوى إرهاب وشر وعدوان على وطن وشعب، حتى تسارع لتبصم على ما يقولون أو يفعلون، ربما هو الفارق بين كونك إنسانا يفكر وخروفا فى قطيع.

منذ حضور الببلاوى وحكومته لم تصدر عنها قرارات فاعلة ناجزة تحقق مكاسب واضحة للفئات الأضعف فى المجتمع والأكثر شراسة فى الدفاع عن الثورة، اللهم سوى بعض "المنح" من باب التصدق كإعفاء طلاب المدارس الحكومية من مصاريف الكتب التى لا يقرأون فيها سطراً واحداً، أو تخفيض سلع غذائية فى مجمعات استهلاكية تغلبها أوكازيونات أسواق القطاع الخاص المورد الأصلى لها، أو تحفيز ومكافأة وعلاوة وزيادة حدود المعاشات الدنيا بأرقام لا معنى لها.

فى المقابل تهمل الحكومة الحديث عن مشروعات "قومية" حقيقية للإسكان والتعمير والاستصلاح الزراعى، وتتلاعب بالحديث عن حد أدنى وأقصى للأجور والدخول، وتتجاهل تنفيذ أحكام قضائية نهائية واضحة بإعادة عشرات الشركات المباعة بطرق ملتوية فاسدة بعد تسريح عمالها وخلق شريحة اجتماعية جديدة اسمها "المعاش المبكر"، لتظل أزمات البطالة والغلاء أساسية فى سوق حر تبنى تنافسيتها على الاحتكار.

للمصريين حقوق واستحقاقات ومكاسب لن تسقطها رؤية أحادية لحكومة "رأسمالية رحيمة"، لم يطلها الفلاح والعامل والموظف والمهنى، ولن تغلبها أو تجهضها سياسات الليبرالية بنموذجها "التكافلى" الجديد بعد أسرع عملية إسقاط لشقيقتها الريعية المتأسلمة، ولن تكون هناك "دولة مستقرة" بالمفهوم السياسى والاجتماعى والمجتمعى، دون تحديد المحتوى الاقتصادى لها والمعبر عن طبقاتها الأوسع، وهى الحكمة المرجوة فى دستور لن يمر بسهولة يتخيلها واضعوه، فأصحاب الضمائر الذين رفضوا دستور الغريانى، قادرون على إسقاط دستور غير مستقيم.
الجريدة الرسمية