أنا والإخوان.. وهواك " 2 "
كانت مذكرات الدعوة والداعية لحسن البنا والذي كنت دائما ما أقرن اسمه بالإمام الشهيد، هي أول ما حاولت أن أقرأه لفكر جماعة الإخوان المسلمين، والغريب أنني وجدت في أول المذكرات كلمات لا تصلح أن تخرج من داعية إذا كان يريد بها وجه الله تعالي، فقد قال في أول المذكرات: "أوصي الذين يعرضون أنفسهم للعمل العام ويرون أنفسهم عرضة للاحتكاك بالحكومات ألا يحرصوا على الكتابة"، في البداية لم أُعر تلك الجملة اهتماما ولكن ما النضج سألت نفسي إذا كان العنوان الدعوة والداعية فلماذا الخوف من الكتابة، الدعوة لا تحتاج إلى التخفي ولا تحتاج إلى العمل السري، فهذا كان دأب الخلايا الشيوعية التي تواجه بشدة من الحكومات، أما الدعوة إلى الدين فلماذا تكون سرية، ضحكت وأنا أتناقش مع عدد من الأصدقاء ونذكر أن الدعوة إلى الإسلام في بدايتها كانت سرية لأن المجتمع الذي كان يدعو فيه الرسول عليه الصلاة والسلام كان كافرا بالضرورة، بل كانت هناك أمور غاية في التعقيد، كانت القراءة تفتح لي أبوابا موصدة وكل كتاب بمثابة شمعة لطيفة تضىء جانبا من جوانب دهاليز الفكر، فسيدنا محمد قاسي الأمرين في المجتمع المكي في أول الدعوة نظرا لظروف اجتماعية وسياسية معينة، فكان صراعه مع هذا المجتمع سياسيا أكثر منه عقائديا، وهذا ثابت في كتب السيرة، فكيف يطلب البنا أن تكون الدعوة في السر، لقد انتشر الإسلام وأصبح الدين الرسمي للدولة، والمساجد في كل مكان تعج بالمصلين ويأتي رمضان والناس تصوم، أما دعوته فلابد أن تكون في العلن، حتي يصلح ما فسد أو خفي من الدين.
ولكن بعضهم أشار لي في سطور المذكرات إلى أن المجتمع يفسد مثل الطعام ولذلك لابد من التنبيه بكل الطرق علنية كانت أو سرية إلى صحيح الدين لأن هناك من لا يريدون أن يظهر صحيح هذا الدين وقد يكونوا مسلمين أيضا، كانت أسطر المذكرات تتحدث عن فساد الأخلاق في الأدب والسينما وأيضا فيما يكتب في الجرائد في تلك الفترة، وفي تلك السن الصغيرة التي لم تضاء فيها كل دهاليز الفكر اقتنعت بأن المجتمع فاسد بل يقترب إلى الكفر إن لم يكن كافرا كلية.
وفي تلك الفترة المبكرة من حياتي، بدأت أطبع الأدعية والأذكار وأوزعها على أصدقائي في المدرسة الثانوية، وكان أبي يراقب الأمر عن كثب عارفا بكل ما يحدث، وبدأ تدخله عندما بدأت نبرتي تعلو حول فساد المجتمع، ورفضي لمشاهدة التليفزيون، وتقصير بنطالي، إلى آخر التصرفات التي كنت أفعلها بمراهقة شديدة، أما ذقني الصغيرة فلم تكن تنبت إلا قليلا، وإمام الجامع شديد التدين ولكنه دون لحية، ذهبت إليه بعد خطبة الجمعة وسألته "لازم أربي دقني"، هنا أجابني بنبرة شديدة الحسم "إنت عملت كل حاجة علشان تربي دقنك؟" أجبت بلا طبعا، ضخك وهو يقول عندما تنتهي من كل الفروض والنوافل أطلق لحيتك وقصر بنطالك، وعرفت أن أبي قد شكاني إليه.