رئيس التحرير
عصام كامل

المصري الأصيل


ولد هذا الإنسان فكان ميلاد التاريخ، وحينما بدأ يتكلم بدأت معه أبجديات اللغات البشرية المختلفة تنتشر على وجه الأرض، هو أول من عرف الاستقرار وقدس المجتمع الإنساني في حين ظلت باقي المسكونة تترنح في أعماق العصور الحجرية فكان هو البصلة المركزية التي وجهت قبائل العالم القديم إلى التوحد وخلق المجتمعات البشرية المتحضرة.


ثم أبهر العالم كله بعبقرية هندسية فذة ومتفردة مشيدا الأهرامات والمعابد الصامدة في وجه الزمن إلى اليوم ولا يوجد من يعرف على وجه اليقين الحقيقة الكامنة خلف هذا الإعجاز البشري الفريد، ثم عاش نفس هذا الإنسان لسنوات طويلة جداً تتلاقفه أمواج القدر وعواصف السنين .

فهذا الجبار الأصيل أبدا لم ينكسر وأبدا لم يستسلم عاش ثلاثه آلاف عام سيدا أوحد على العالم أجمع وقائدا لقاطرة الفكر والعلوم والحضارة ثم بدأ يميل عنه ضوء التاريخ ودخل في نفق الظلام فكان الهكسوس في انتظاره ولكنه لم يخضع لهم بل حاربهم وانتصر عليهم ومن ثم الفرس بكل ما كانوا يتميزون به من وحشية وقسوة إلا أنهم فشلوا في اختراق النسيج الأيديولوجي للإنسان المصري ولم يتركوا أثرا يدل عليهم بل تم القضاء عليهم تماماً مع ظهور الإسكندر الأكبر .

هذا الذي قدس مصر واحترم الإنسان المصري فأعطته مصر أن تكون إغريقية لأكثر من ثلاثمئة عام ولكنها احتفظت بأعماق المصري الأصيل في داخلها فأخذت شكلا حضاريا متميزا قادت به العالم الإغريقي كله حتى انقضت سنواته وبقت مصر تعبر في ثبات ماضية إلى حيث الرومان حيث كاليجولا في شذوذه ونيرون في جنونه حيث مذابح كاراكلا ودقلديانوس.

لأكثر من خمسمائة عام عاش المصري الأصيل في حالة الصراع مع الهاوية الرومانية وصل ذروته أمام بحور الدماء والمذابح العقائدية التي ارتكبت والتي قدم من خلالها الإنسان المصري للعالم أجمع القديسين والشهداء الأبرار، ففي هذا أيضاً كان له الريادة من خلال مسيحية مصر الصامدة ، ذهب الرومان وأتى عصر جديد تغيرت فيه عقيدة المصري، وبقى التوحيد لم يتغير .

امتصت مصر روح الديانة الإسلامية فتبلور المصري المسلم القابض على العقيدة بروحه الفرعونية وأصوله المسيحية فكان إسلام مصر فريدا ورائدا والأزهر قائم إلى اليوم شاهدا له، فمع جنون الحاكم بأمر الله ووحشيته بقي المصري حكيما لم يثور عليه بل أخذ يسخر منه فقط حتى انتهى أمره وانتهى أمر الفاطميين تماما من مصر، وهو الحال أيضا مع المماليك والعثمانيين وحتى نهاية عصر أسرة محمد علي باشا بل وإلى اليوم ما زال المصري الأصيل صامدا في وقار وفخر يتأمل عظمة الماضي الذي صنعه بيده وينظر إلى المستقبل في رجاء وفي أمل ويبقى دائما المصري الأصيل رائدا ومعلما لكل الأمم .
الجريدة الرسمية