رئيس التحرير
عصام كامل

"أفق آخر" سايكولوجيا الاختطاف

فيتو

فى عصر يعج بالتناقضات . حيث تعيش القرصنة ببعديها الجوى والبرمائى مع أقصى منجز حضارى وتعود ثقافة الارتهان والاختطاف إلى عصور ظن البشر أنهم ودَعوها يُصبح كل شيء قابلاً للحدوث وليس للتصور فقط .


والاختطاف لم يعد وقفاً على أشخاص سواء كانوا رجالاً أم نساءً وأطفالاً فقط، فثمة تطوير حاذق لهذه الفلسفة، بحيث تتعرض أفكار وثورات وحِراكات إنسانية لاختطافات تُجردها من مُحتواها الحقيقى . وإذا كان هناك من كتبوا عن سايكولوجيا المقهورين، سواء من الفُقراء أم المحرومين من حق التعبير عن الذات فإن سايكولوجيا الاختطاف لا تزال فى طورها البدائي، ولا يوجد لدينا منها إلا اعترافات وهواجس لمن جربوا مرارة هذا الإعدام الرمزى .

والاختطاف هو إفراز لحالة من الإحباط واليأس سرعان ما تتحول إلى نزعة ثأرية عمياء، لأن الرهينة غالباً ما تكون بريئة حتى عندما تتم المطالبة باستبدالها لأن مثل هذه المُقايضة إضافة إلى انعدام التكافؤ والبعد الأخلاقى فيها تقترح نفسها بديلاً عن معادلات سوية ومنطقية، يكون فيها كل كائن مسئولاً عن أفعاله وما اقترف .

والاختطاف إذا كان لحركات أو أفكار هو جريمة مركبة أو مزدوجة لأنه أولاً يخلع المواقف من سياقاتها الأصيلة، وثانياً يستخدمها على نحو مُضاد، وما نخشاه هو أن تتمدد هذه الظاهرة السرطانية لتدمر العافية الروحية والأخلاقية للبشر، لأنها بدأت على درجة من الاستحياء لكنها سرعان ما أصبحت ممارسات معلنة وبها قدر كبير من الجرأة .

والفارق ليس كبيراً بين سايكولوجيا المقهورين وسايكولوجيا الاختطاف، لأنهما من إفراز فائض العنف، وإعلان العجز العقلى عن حل الأزمات .

وأخطر ما فى هذه الظاهرة هو تحولها فى بعض الدول إلى نمط إنتاج اقتصادى جديد، اسمه المتداول هو الفدية، أما اسمه الحقيقى فهو بلوغ التوحش الغرائزى أقصاه، بحيث تنوب الخلايا الزواحفية كما يقول علماء الأحياء عن الدماغ فى التعامل مع التاريخ والوجود برمته .

وقد لا يعترف ضحايا الاختطاف بكل ما تعرضوا له من انتهاكات، لكن الخيال يعيننا على تصور ما يتعرضون له وهم فاقدو الحول والقوة، وعلى حافة الحياة لأن المسافة بين بقائهم على قيد الحياة وموتهم شعرة واحدة فقط .

وإذا كان الإرهاب بحاجة إلى المزيد من الأبحاث والدراسات التى تصل إلى جذوره النفسية والاجتماعية والتربوية فإن الاختطاف يتطلب أكثر من ذلك، لأنه إرهاب مُضاعف، وتحويل الآدمى إلى مجرد شيء أو سلعة . وقبل أن يستكمل هذا النمط من الإنتاج السياسى والاقتصادى أدواته ليصبح ثقافة وبائية، على العالم أن يسارع إلى وضع حد له بدءاً من افتضاح دوافعه وسايكولوجيا الشواذ الذين يتورطون به .

نقلاً عن الخليج الإماراتية

الجريدة الرسمية