رئيس التحرير
عصام كامل

نسبة العمال والفلاحين ليست من ثوابت الناصرية!


حتى في الفقه والشريعة الإسلامية يقول الفقهاء إن الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما.. أي أن الحكم الشرعي في مسألة ما يبقى طالما بقيت علة الحكم.. وينتهي إذا انتهت.. فالخمر حرام.. ولكن إن كنت على شفا الموت ولا يوجد ماء فيباح لك الخمر.. وقتل الأولاد حرام.. ولكن لو كان الحمل سيقتل الأم فيباح إجهاضه.. وهكذا..


وعندما أقر الشعب المصري بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر نسبة الـ50% للعمال والفلاحين في كل المجالس المنتخبة كان لاعتبار مهم وهو أن أبناء كلا الفئتين حرموا لعشرات السنين من حقوقهم.. وظلوا عقودا لا تتساوى حقوقهم مع فئات المجتمع الأخرى من الإقطاعيين والرأسماليين .. وبعد الثورة أصبح الجميع متساو في الحقوق والواجبات وبات الاستناد في التقييم إلى اعتبارات محددة منها اعتبارات الشرف والعمل والكفاءة .. وليس الثروة أو العائلة .. ولما كان العمال والفلاحون للأسباب السابقة أضعف بكثير في النفوذ والتأثير من غيرهم.. كان لا بد من منحهم ميزة تعوضهم حتي يقفوا على أقدامهم ويستوعب المصريون عهدهم الجديد ويتقبلون فكرة وجود عامل بالبرلمان وإلى جواره فلاح وإلى جوارهما إقطاعي سابقا أو رأسمالي سحبت منه ألقابه ودواعي نفوذه.. وفي هذه السنوات رأينا فعلا عمالا بسطاء في جمعيات تعاونية وفلاحين كانوا أجراء أصبحوا نوابا وذلك قبل الالتفاف على فلسفة الـ 50% والانحراف بها بعد عبد الناصر.. وكان كل ذلك يحدث في وقت التنظيم الواحد.. وفي مجتمع تذويب الفوارق بين الطبقات..

اليوم.. وقد استوعب المجتمع الفكرة حتى برغم الانحراف بها وتشويهها.. واليوم ونحن في مجتمع التعدد الحزبي وليس التنظيم الواحد.. واليوم ونحن في طريق الانطلاق إلى دولة جديدة حديثة نسعى لبنائها.. واليوم حيث نقابات عمالية قوية ومتعددة.. واليوم وقد بعدت المسافة عن عصر الإقطاع.. واليوم ونحن بيننا نقابات للفلاحين.. نرى أن الإبقاء على النسبة غير ملائم.. وربما يظلم فئات المجتمع الأخرى والتي زادت نسبتها في الخمسين عاما الماضية بشكل كبير جدا بفعل التعليم والسيولة الطبقية .. والأمر بذلك لا يشكل انتقاصا لحقوق العمال والفلاحين.. بل على العكس.. نرى أن ما أريد لهم من إقرار النسبة قد تحقق.. وقدرتهم على السباحة في مسبح السياسة يتساوون فيها مع غيرهم وربما تفوق بعضهم عليهم.. وعلينا ونحن ندعو إلى التفكير في ذلك أن نتذكر أن عبد الناصر نفسه هو من قال إن هذه الأفكار كلها التي وردت في "الميثاق الوطني" سيعاد النظر بها كل عشر سنوات!

ومن باب أولى أن نعيد النظر بها بعد نصف قرن على إقرارها متحصنين بثلاثة أشياء مهمة هي :
شجاعة الطرح .. وسلامة المقصد .. والرغبة في تجديد الناصرية وتقديمها لأجيال جديدة بشكل أكثر بساطة وقبولا!

الجريدة الرسمية