كيف يولد الأديب ؟.. بقلم/رجاء النقاش
تحت عنوان كيف يولد الأديب؟ كتب الكاتب الصحفى رجاء النقاش مقالًا بمجلة روزاليوسف يقول فيه:
منذ ثلاثين عامًا تقريبا ظهر توفيق الحكيم في حياتنا الأدبية، ولم يظهر بمقال أو قصة بل ظهر بمسرحية كاملة ناضجة هي "أهل الكهف.". لذلك ولد توفيق الحكيم كبيرًا.. واهتمت به الأوساط الأدبية في ذلك الحين على أنه كاتب أعد نفسه إعدادًا كاملًا، وخرج من دور التجربة، وقد تبين بعد ذلك أنه الحكيم قد أتم بعض أعماله الأدبية المهمة مثل روايته الرائعة «عودة الروح» وذلك عام ١٩٢٧ بينما هو لم يظهر إلا في سنة ١٩٣٣.
كذلك ظهر يحيى حقى، ولد فنانًا كبيرًا عندما أصدر مجموعته القصصية «قنديل أم هاشم» التي ما تزال من أرقى أعماله الفنية إن لم تكن أرقاها جميعًا.
ذلك كان أيام زمان.. أما الآن فالأديب يولد عندنا «بالقطاعى» منهم يبدأ بنشر مقالات أو قصائد وشيئًا فشيئًا يعرفه الناس ربما في سنة وربما في عشر سنوات.
ظهور الأديب بالقطاعى مسألة ضارة بالأديب وبالحياة الأدبية، ذلك أن الأديب سيعرض تجاريه ومحاولاته الأولى على الناس، ومن الأفضل أن تكون هذه التجارب والمحاولات سابقة على ظهور الأديب، حتى يكون بعيدًا عن تأثر عوامل الخداع المؤقتة التي تتصل بالنشر، فقد ينشر الأديب أشياء رديئة أو متوسطة وقد تلقَ هذه الأشياء رواجًا عند بعض القراء فيكون ذلك ضارًا بمستواه إلى أبعد حد ولكن عندما يحاول الأديب صقل موهبته بعيدًا عن الأضواء فإنه لا يتأثر بعوامل الخداع المؤقتة أبدًا، كما أن الأديب الذي يظهر بكتاب كامل أو ديوان شعر أو رواية أفضل بكثير من ذلك الذي يقدم إنتاجه الصغير أولًا بأول إلى القراء، وهذا ما يطبق في أوربا فمثلًا كولن ولسون في انجلترا بكتابه الضخم «اللامنتهى» وهو حصيلة قراءة ما لا يقل عن خمسائة كتاب.
تمنيت أن يظهر الأديب أو الشاعر بعمل كامل بدلًا من تقديم نفسه على طريقة التجزئة المعروفة وتمنيت ذلك لجميع الأدباء فلا يظهرون للناس إلا بعد أن ينضجوا ويتجاوزوا مرحلة التجارب.. لكن المسألة صعبة جدًا لأنها بحاجة إلى دور نشر شعارها الثقافة أولًا والتجارة بعد ذلك.