صحافة المصلحة
عشرات المجلات والجرائد تتجمع عند عمك «مصرى» بائع الصحف على الفرشة.. تأتى فى حزمها.. ويرصها بجوار بعضها البعض لتكون متاحة للناظرين، الذين يطوفون بأبصارهم على العناوين، ويكفيهم هذا «بلوشى»، أو للمشترين الذين غالبًا ما تمتد أياديهم إلى مطبوعات بعينها يقصدونها، وبعد الثورة لاحظ عمك مصرى زيادة هائلة فى أعداد ونوعيات الصحف، ويدهشه أن يعتمد أصحاب الاتجاه الدينى على جرائد تيارهم.. والليبرالى والناصرى والوفدى كل على جريدته.. والمفروض أن يحدث العكس حتى تعرف كيف يفكر غيرك.. وبالتالى تتعامل معه بوعى.. ويستغرب أن الناس رغم برامج الـ"توك شو" الليلية.. يلجأون فى الصباح إلى الصحف، لعلهم يجدون فيها ما لم يشف غليلهم فى المساء.. لكنه لم يتصور أن يجد أمامه تراشقًا وحوارًا ساخنًا بين جورنال حكومى وآخر مستقل كاد يشعل الفرشة كلها.
الجورنال الحكومى: قولى يا مستقل.. أنت مبسوط من نفسك وأنت شغال حريقة وعمال تصطاد فى المية العكرة؟
الجورنال الخاص: وأنت مش مكسوف من نفسك.. لما بعد انتخابات الرئاسة أطلقت دقنك ولبست جلابية!
الخاص: باقول الحقيقة ولا لسه هنضحك على الناس.. ونصحى كل يوم الصبح.. ننافق الرئيس والحكومة والمرشد.
الحكومى: عايز تفهمنى إن سيادتك محايد؟
الخاص: لا طبعا.. الحياد فى الصحافة عامل زى الأكل المسلوق ملوش طعم ولا ريحة!
الحكومى: لكن صحى!
الخاص: ده قُصر ديل يامعلم!
الحكومى: يعنى نديها فبركة عشان نبيع!
الخاص: لا.. تديها احتراف عشان ما تبقاش زى خيل الحكومة.. أو تبقى موضة قديمة زى "وابور الجاز".
الحكومى: أنا بتاع الشعب وأخاف عليه.. وعايز استقرار.
الخاص: طيب يا مستقر اسأل عمك مصرى أنت بتبيع كام وأنا بابيع كام؟
الحكومى: اسأل القارئ أنت بتكتب إيه؟ وأنا باكتب إيه؟ يامستودع الإثارة.
الخاص: والله أنا خايف عليك.. يكون مصيرك زى عمر أفندى.. يا ابنى إعلام الحكومة فى العالم كله بقى موضة قديمة انتهت من زمان.
الحكومى: يبقى سيادتك ماسمعتش عن هيئة الإذاعة البريطانية مثلاً.. ومؤسسة ألمانيا.. وراديو فرنسا!
الخاص: أفهم من كده إنك راض عن مستواك!
الحكومى: كفاية إن مصلحة البلد عندى فوق كل شىء!
الخاص: وهى فين البلد.. يا أستاذ "مصلحة"!