مفيش رجوع .. يا برادعى!
شد القلوع.. مفيش رجوع.. يا برادعى..
هتاف كان يردده الشباب خلال اللقاءات التي كانت تجمعه بالدكتور البرادعى.. يطالبونه بألا يتخلى عن مصر في الأوقات الحرجة.. مرة بحجة ارتباطه بموعد لإلقاء محاضرة في الخارج.. ومرات لمتابعة إعداد مذكراته التي اتفق مع إحدى دور النشر العالمية على نشرها.. وغيرها من المبررات التي كان يقدمها لغيابه الطويل عن مصر.. بينما الأحداث داخلها لم تكن تحتمل هذا الترف.. عندما طالبه أنصاره بأن يتقدم للترشح للانتخابات الرئاسية.. وعدهم بأنه سيفكر في الأمر.. وفى اللحظات الأخيرة.. خذلهم.. وانسحب.
عندما ردد أنصاره في مايو ٢٠١٢ داخل نقابة الصحفيين هتاف «مفيش رجوع» كانت المناسبة إعلان حزب الدستور الذي رعاه البرادعى.. وأراد الشباب أن يحصلوا منه على وعد بألا يكرر انسحابه المتكرر في اللحظات الحرجة..
ورد عليهم البرادعى قائلًا «مفيش رجوع»، ولكن يبدو أن التردد والانسحاب في اللحظات الحرجة.. صفات لم يستطع أن يتخلص منها الرجل.
فقد أيد الانتفاضة الشعبية في يونيو.. ولولا اعتراض حزب النور على اختياره رئيسًا للوزراء لقبل.. ووافق أن يتولى منصب نائب رئيس الجمهورية للشئون الخارجية وأعلن أكثر من مرحلة اتفاقه الكامل مع الرئيس المؤقت والحكومة التي لم يتوقف عن الإشادة بها.
شارك البرادعى بحكم منصبه في الاتصال بدول العالم وإقناع المسئولين بأن ما جرى في مصر ثورة شعبية.. لا انقلاب عسكري.. وحقق إنجازات مهمة في هذا المجال، كما أن موقفه لم يتغير تجاه الجماعة التي تسعى لفرض أيدولوجيتها على الشعب المصرى.. وطالب باتخاذ الإجراءات القانونية ضد قيادتها التي ارتكبت أعمال عنف ورغم كل ذلك قرر البرادعى الاستقالة.. ما أصاب قطاعا واسعا من المصريين بالإحباط.. وعبروا عن ذلك بمطالبة البرادعى بألا يتراجع عن الاستقالة التي قبلها رئيس الجمهورية فور تقديمها.
سقط الرجل، الذي كان يمثل رمز المقاومة وأيقونة الثورة لملايين المصريين.. الذين دعموه والتفوا حوله.. وأشادوا بمواقفه الثانية من نظام مبارك الفاسد.. والدعوة إلى التغيير الجذرى.. بينما كان أقصى طموح النخب في مصر الإصلاح.. لا التغيير وتحقق الحلم الذي كان البرادعى أحد المبشرين به.. وراهن قطاع واسع من المصريين على إمكانية تقدم البرادعى للترشح للرئاسة.. ولكنه خذلهم كما سبق القول.
وكالعادة قرر الانسحاب والاستقالة التي جاءت في غير الوقت المناسب.. ولا الأسباب التي قدمها كانت مقبولة من معظم المصريين الذين اعتبروها طعنة في ظهر الوطن.
جاءت الاستقالة في وقت كانت مصر تخوض خلاله أقسى معركة طوال تاريخها.. حيث تتصدى لمخططات دول كبرى تدافع عن مصالحها التي تحققت تحت حكم الإخوان.
كما تواجه عصابات إرهابية تمارس العنف والقتل وتسعى لفرض أيدلوجيتها المتخلفة على الشعب المصرى الذي يرفضها.
ما يزيد من غضب الشعب المصرى أن كل أعداء مصر سواء في الخارج أو الداخل.. استندوا إلى استقالة البرادعى باعتباره «شاهدًا من أهلها» وأقاموا دعايتهم المعادية على هذا الأساس.. ما كان يجب أن يغيب عن ذهن الرجل.. الذي اختار أن يرضى الغرب على حساب وطنه ففقد ثقة مواطنيه.