فيلم عربي
منذ سنوات شاهدت فيلما ألمانيا قصته عجيبة، يحكي الفيلم عن الأسبوع الذي سبق انهيار سور برلين والمظاهرات العارمة التي كانت تجوب ألمانيا الشرقية والغربية، وتتمحور قصة الفيلم حول سيدة في العقد الخامس مؤمنة بالأفكار الاشتراكية جدا وتدافع عنها أمام التيار الرأسمالي الذي يهب من أسوار الغرب، ولديها شاب في منتصف العشرينيات، يحاول أن يرضي أمه وفي نفس الوقت ينحاز إلى توحيد الألمانيتين، وأثناء المظاهرات تضرب الأم على رأسها بهراوة تفقدها وعيها بضعة سنوات، خلالها تتوحد ألماينا وتنتهي الاشتراكية تماما من الوجود الألماني ثم تفيق بعد سنوات ولكن الطبيب ينصح الابن بألا تتعرض أمه لأي صدمة عصبية وإلا ستموت على الفور
هنا يتخذ الفيلم طابعا كوميديا والابن يحاول استحضار سنوات سابقة من العدم ويظهرها للأم على أنها أحداث حقيقية تحدث الآن مثلا عندما تريد أن تشاهد التليفزيون ولا يعرف الشاب كيف يعرض عليها القنوات الجديدة التي تذيع إعلانات لمنتجات رأسمالية، فيستعين الابن بشاب عاطل تخرج من كلية تشبه معهد السينما لدينا ولكنه لا يجد عملا، فيأتي له بكاميرا ويستعين برجل فضاء حولته الرأسمالية إلى سائق تاكسي ليذيع نشرات الأخبار ويكون البث من خلال غرفته المجاورة لغرفة الأم التي ترقد فيها، كان يأتي بالعلب الفارغة القديمة من العهد الاشتراكي ليضع فيها الأطعمة الرأسمالية ويقدمها للأم وكذلك يحفظ بعض الأطفال الأغاني الاشتراكية الثورية ليغنوها للأم، ويتعاون في ذلك كل الجيران والأصدقاء.
ويضج الشاب وهو يحاول أن يتلقف أي محاولة لكسر أعصاب الأم مثل وضع إعلان كوكاكولا فجأة أمام شباك غرفة الأم، هنا يبدأ في الاستعانة بأصدقاء له من أحزاب ملغية ليلقوا بيانا حول التغيير والانقلاب وبدء عهد جديد، الغريب أن الأم عرفت الأمر وهي تحاول أن تجد ابنها ليستمع إلى البيان الذي يذاع.. بهدوء فتحت باب غرفته لتجد المخرج العاطل والحزبيين القدماء وهم في غرفة الشاب أمام الكاميرا، واستمعت إلى حوارهم أن الأم لا بد أن تهيأ لما حدث وأنه باق بضعة أيام حتى تخرج من غرفتها، واستمعت لباقي الحوار حول انهيار الاشتراكية منذ سنوات، لم تصدم الأم بل شعرت بالامتنان نحو الابن الذي تكبد كل تلك المشاق من أجل أن يحافظ على أعصابها
تذكرت ذلك الفليم وأنا أتخيل نفس ما يمكن أن يحدث لمصري فقد وعيه قبل 25 يناير ثم أفاق اليوم مثلا، شاهد وقرأ على الإنترنت أحداث عامين ونصف، هل سيصدق؟ لا أعتقد نحن شعب أبهر العالم بثورتين ورئيسين واحد مخلوع وآخر معزول ودستورين وبضع إعلانات دستورية، وعدد من الوزارات، وآلاف من الشهداء.
ما حدث خلال عامين ونصف لو كان أديبا واسع الخيال كتبه في رواية لقال عنه النقاد إنه حتما مجنون، ما زال الشعب المصري يبهر العالم، وأخشى أن يبهره مرة أخرى ويختار في انتحابات الرئاسة القادمة "إخوان" مرة أخرى أو "فلول"، الغريب أننا نعيش بالفعل أحداث فيلم عربي حقيقي.