رئيس التحرير
عصام كامل

سقطت أصنام مصر


أخذت أصنام مصر تتساقط، الواحد تلو الآخر وتتساقط معها القناعات الوثنية والعبودية الوحشية التي أخضعت الإنسان المصري ونالت من مقدرات المنطق والحق في أعماقه، حتي انتهت تماما من أرض مصر ولم يتبق منها سوي "فوستينا "و "الإخوان" والفاصل الزمني بين الاثنين كبير جداً، إلا أن الصلة بينهما تكاد تكون وثيقة جداً والسر الكامن خلف الاثنين هو واحد..


إنه الخديعة .. "فوستينا" كانت هي ربة الوفاء عند المصريين، في زمن الرومان كانت معبودة الملايين، هي رمز الإخلاص والتفاني والانتماء والتي يلجأ إليها كل أصحاب الرجاء والأمل ... إنها "فوستينا" العاهرة الكبيرة معشوقة الرجال والزوجة الخائنة للإمبراطور المخدوع والمطعون في شرفه "ماركوس اوريليوس"، تربعت هذه المرأة علي عرش قلوب البسطاء في مصر وفي العالم الروماني أجمع وكانت هي مصدر الإلهام للعاشقين وأصحاب القلوب النقية، تعلق بها مئات الألوف من البشر علي مدار أكثر من ٢٠٠ سنة وكانت معابدها منتشرة في كل أنحاء مصر والإمبراطورية، الكل يعبد ويحب الإله فوستينا رمز الوفاء ، إلا أنا هذا كله لم يقتل الحقيقة القاسية وهي أن فوستينا كانت زوجة خائنة فاجرة لا تعرف معني للإخلاص ولا تدرك أي سبيل للوفاء وهكذا عاش العالم أجمع في خديعة كبري باستثناء ماركوس اوريليوس،  هو فقط من كان يدرك الحقيقة المؤلمة والأكذوبة الكبري، ماتت فوستينا واندثرت معابدها من أرض مصر كلها إلا التأثير الوجداني بقي كامنا في أعماق المصريين وعاش مئات السنين يبحث عن صنم آخر يتجسد بداخله.

إلي أن أتيحت له الفرصة مع بدايات القرن العشرين، حينما تقمص أناس لا يعرفون لكلمة وطن أي معني ولا يدركون قيمة التراب الممتزج بدماء شهداء مصر الأبرار علي مدار التاريخ، مصر عندهم ليس لها كيان ولا تزن شيئا يذكر في داخلهم، لقد أطاحوا بكل معايير الوطنية المصرية التي تراكمت وتشكلت علي مدار سبعة آلاف عام، طعنوا تاريخ أم الدنيا في مقتل حين قصدوا إهانة الإنسان المصري في كيانه ومعتقداته وقناعاته التراثية، بل ذهبوا إلي ما هو أبعد من ذلك، فقد تآمروا علي اسم مصر الحضاري ذو السمعة العالمية وأرادوا إذلال المصريين، ظهروا علي السطح السياسي وكأنهم ثوار فجذبوا إليهم البسطاء والمعوذين وأصحاب الحاجة من كل أنحاء مصر، فقد أخذ الناس يتعبدون إلي فلسفاتهم السفسطائية تماما كما كانوا مع العاهرة الخائنة فوستينا، وظهرت الأجيال المغيبة التي تراكمت مع السنين خلف الستار من الصبية والشباب منهم الجاهل ومنهم المتعلم، منهم الفاجر ومنهم المتحذلق، أخذوا جميعا يتعبدون ويروجون لهذا الصنم القبيح الجالس علي رقاب المصريين، والذي أخذ يقتل المصريين ويرتوي من دمائهم، أرواح الأطفال في الصعيد المصري لاتزال تصرخ إلي اليوم، وكذلك مئات الأرواح التي ذهبت كقرابين رخيصة تحت أرجل ذلك الصنم الداعر علي مدار عام كامل عبر وكأنه دهرا ثقيلا، كرامة المصري التي سحقت واسم مصر الذي مثل به أمام العالم أجمع.

من أنت أيها القبيح الوجه حتي تفعل بمصر ما فعلت؟!، لذلك كان لابد من الرد الرادع والقاطع مع هذا الحجر وأعوانه الجبناء، إلا أن ماركوس اوريليوس هذه المرة كان هو الشعب المصري العظيم الذي كشف بفطرته العريقة عورة هذا الصنم ويبقي الفارق شاسعا بين الإمبراطور المخدوع الذي عرف الحقيقة وبقي صامتا وبين العملاق المصري صانع التاريخ .. الشعب المصري.
الجريدة الرسمية