الشباب يتساءلون عن التخلص من الحياة والقتل الرحيم وانتحار الأطفال، وعلي جمعة يجيب

تحدث الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومفتي الجمهورية الأسبق، في حلقة اليوم من برنامج "نور الدين والدنيا"، عن قضية التخلص من الحياة والانتحار، وفكرة القتل الرحيم.
وقال الدكتور علي جمعة: أرسل الله الرسل، فوجدوا أن مقاصد المكلفين خمسة، وهي: حفظ النفس والعقل والدين، وما نسميه بـ"كرامة الإنسان"، وكانوا يسمونه "العِرض"، والمال، وكانوا يسمونه "المِلك".. وهذه هي مقاصد الشريعة، كل شريعة.
وأضاف: أمرنا الله أن نحافظ على النفس.. عندما نحافظ على النفس.. حرَّم علينا الانتحار، والقتل، والفساد في الأرض.
وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: "الإنسان بنيانُ الرب، ملعونٌ من هدمَه".. فمن تسلط على الإنسان بالقتل كما نراه من الصهاينة فيما يفعلون في أهل غزة من إخواننا ويفعلونه في كل البشر، فهو ملعونٌ عند الله؛ لأنه يهدم الإنسان، بنيانَ الربُّ.
وأوضح: بنى الرب هذا الإنسان، وهذا مجرمٌ يهدمه، فمصيبته كبيرة، وإثمُه عظيمٌ عند الله.. والظلم ظلماتٌ يوم القيامة.
نهانا الله، سبحانه وتعالى، عن الانتحار، وأن يُنهي أحدُنا حياته، لأنَّ هذا فيه هدمٌ للبنيان، وفيه لعنٌ من الله.
وأكد أن الحفاظُ على النفس، يتلوه الحفاظُ على العقل، لأن العقلَ مناط التكليف.. كلفنا الله، سبحانه وتعالى، بعبادته، لعمارة الأرض، بتزكية النفس، وكل ذلك يحتاج إلى الفهم، ويحتاج إلى معرفة كيف نطبق هذا، وإلى أن نعرف سبب هذا، وأثره.. وكل ذلك إنما يُدرك بالعقل.
بعدما نحافظ على النفس والعقل، نحافظ على هذا الذي ليس لنا سواه، وهو الدين.. أن نكون في طاعة الله تعالى.. أرسل الرسل، وأنزل الكتب؛ من أجل نوالِ سعادة الدارين؛ الدنيا والآخرة.. "وإن الدارَ الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون".
وأوضح الدكتور جمعة: هذا الترتيب يؤدي بنا إلى أن هذا الإنسان، الموجود، العاقل، المتدين، يجب أن نحفظ كرامته، وأن نحفظ عليه قوام هذه الحياة، وهو "الملك".. هذا المال الذي رزقه الله للإنسان، عن طريق الكسب، والجد، وعمارة الدنيا، وقد يكون ورثه عن غيره ممن عمر الأرض، وترك له هذا المال، وجعلنا الله مستخلفين فيه.
وقال: يبرز من كل ذلك قضية الانتحار، وهي قضية داعبت كثيرا من المفكرين والفلاسفة في عصرنا الحاضر، حتى أباح بعضهم لأنه لا يؤمن بالله، أو أنه غافل عن الإيمان بالله، أو أباح الانتحار، وجعلوه بيد الإنسان، كأن الإنسان يملك نفسه، والحقيقة أن الإنسان لا يملك نفسه.. إنما يملكه الله.. الله هو الذي خلق، والله هو الذي يحيي ويرزق ويميت، فإذا انقلبنا إلى الله يوم القيامة، فهو مالك يوم الدين، وهو الذي يحاسِب.
وأشار: ومن هنا كان الانتحار نوعا من أنواع العدوان على بنيان الربِّ، يأخذ الإنسان الذي يحاول الانتحار الإثم حتى لو لم يمت؛ لأن الأجل بيد الله، وهذا الذي يريد أن ينتحر قد يفشل، لكنه يكون قد ارتكب معصية، ومخالفة قانونية، هؤلاء الذين أباحوا الانتحار، والمخدرات، والقتل الرحيم عندما يستيئس الإنسان من الشفاء، فيقول لأحدهم اقتلني.. هذا كلامٌ يخرج الإنسان من عالم الإنسانية إلى عالم الأشياء، كأنهم يتعاملون مع الإنسان أولا: بأنه لا إله له.. والحقيقة أنه لا إله إلا الله.. وثانيا: كأنه من عالم الأشياء، كأنه كالحيوان وكالجماد نتصرف فيه كيف نشاء، أو يكون له ملك، والحقيقة أن الإنسان ملك لله.
في هذا الإطار نتناقش حول ما يجول بخاطرنا فيما جدَّ في عصرنا الحاضر من مشكلات وتقاطعات، خلاف هذه العقيدة الواضحة التي أمرنا الله بها.
نية الانتحار
وسألت فتاة: لو مثلا شخص كان ناوي ينتحر، فركب سيارة، وفي الطريق عمل حادثة ومات؟
أجاب د. جمعة: ده عامل زي كلام الحكماء: لو صبر القاتل على المقتول كان مات وحده.. القاتل ذهب ليقتل، عامدا متعمدا، قاصدا، مترصدا، فقُتل.. الساعة 11 بالضبط.. أجله الساعة 11.. ولو أن هذا القاتل المغفل انتظر للساعة 11، كان مات لوحده.. سبحان الله.. أنا كنت ناوي أقتله لكن حال الله بيني وبين هذا.. إذن الله، سبحانه وتعالى، لا يحاسبنا فيما حدثنا به أنفسنا: "إن الله تجاوز عن أمتي فيما حدثت به أنفسها". هنا نرجع إلى كلام أعمق للفقهاء.. يقولون:
"مراتب القصد خمسٌ: هاجسٌ ذكروا.. فخاطر فحديث النفس، فاستمع
يليه همٌّ فعزم، كلها رُفعت.. سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقع".
هذان البيتان معناهما: أن الإنسان القصد بتاعه مرتب 5 درجات.. الدرجة الأولى: أن أغمض عيني وألاقي زجاجة خمر ماشية، اسمه هاجس.. وبعد قليل زجاجة الخمر ثبتت.. الصورة بتاعتها مش راضية تمشي، ده اسمه خاطر.. وبعدين أقول لنفسي: أنا عمري ما شربت خمر ما تيجي أجرب؟.. حديث نفس.. قلت: لا ده حرام، معلش مرة واحدة وبعدين أتوب.. قلت: لا ما يصحش.. حديث نفس، رايح جاي.. المرة اللي بعدها: نفسي أجرب.. بدأت نفسي تميل للمعصية، كلها الأربع درجات من القصد ده، رفعت.. قلت لا هاشرب يعني هاشرب، دي نية، تحولت من الهم إلى النية.. النية فقط هايتحاسب عليها.
مرحلة النية
نرجع للسؤال: واحد ركب العربية، وساقها على أنه رايح ينتحر.. عمل حادثة، ومات قبل ما ينتحر.. ده هيبقى مؤاخذ، هل ربنا هايحاسبه على النية السودا بتاعته، وللا لأ؟
لأنها وصلت لمرحلة النية.. لو أنه فكر على سبيل الهاجس، وبعدين بقت أنتحر، مفيش فايدة.. وللا ما أنتحرش.. ده حديث نفس.. وبعدين بقت: والله الانتحار حلو.. لغاية كدة ربنا يعفو، وما يحاسبش.. لكن ينزل وياخد العربية علشان يروح يروح يرمي روحه من جبل المقطم.. يبقى خلاص ده ناوي، وعزم، فالعزم المؤكد يؤاخذ عليه.
القتل الرحيم
بنت: القتل الرحيم، لما حد يعرف أنه هايموت، ومفيش فايدة من العلاج، فيبطلوا العلاج بنية الموت، أو يقتلوه كنوع من أنواع الرحمة علشان يخلصوه من العذاب.. هل يعتبر انتحار أن يختار أحد هذا، وللا يجوز؟
فرد جمعة: يعتبر انتحار، وفي نفس الوقت جريمة قتل، يحاسب عليها الطبيب، والممرضة، وإدارة المستشفى، ويحاسب عليها عند الله هذا الذي تخلص من الآلام التي هي فعلا، ثواب، والتي تجعله يموت شهيدا فأبى ومات فاسقا؛ لأن هذا نوع من أنواع "تشيؤ الإنسان".. هم يسعون، لأن الله غاب عن منظومتهم، لأن يجعلوا الإنسان شيئا.. يعني كرسي.. خاتم.. حاجة تمتلك، وتمتهن، وتحولت من الآدمية إلى عالم المادة المحضة.
من أين أتى لهم هذا الفكر؟! أتى من إنكار الألوهية، أو من تنحية مسألة الألوهية.. ما بيفكروش في ربنا.. ما بيسمعوش لكلام ربنا.
ولذلك القتل الرحيم ما زال، الحمد لله، في أغلب الدول حراما إلى اليوم.. عندنا الكيانات السياسية للدول على وجه الأرض، 234 دولة، منها 190 أو أقل في الأمم المتحدة، حوالي 44 خارجها.. دولة أو اتنين فقط أباحت القتل الرحيم، والباقي يجرمه.
القتل بالاتفاق
وفيه صورة أسوأ وأضل سبيلا، وهي القتل بالاتفاق، حدثت في ألمانيا.. واحد عايز ينتحر، ومش عارف، فجاب واحد صاحبه، وعملوا عقد، والعقد مقدس عندهم.. اقتلني، وفيه بعض الأفلام صورت الحادثة دي.. ده نوع من أنواع الانتحار.
احنا ياما هانشوف من أنواع الانتحار.. اللي بينتحر علشان الجيم بتاعه خسر.. الحوت الأزرق والحوت البنفسجي.. وفي النهاية هذا هدم لبنيان الرب.
هل كل الناس اللي بتنتحر هتدخل النار؟
وتساءل شاب: هل كل الناس اللي بتنتحر هتدخل النار، بلا أي استثناء؟
فأجب الشيخ علي جمعة: آه، هايدخل النار بلا أي استثناء؛ لأنه هو الذي أراد هذا.. استهان بالله، واستهان بالروح..انت عارف المنتحر بيعمل إيه؟! كأنه مسك نفسه في إيده ورماها في وش ربنا.. يرضيك كدة؟!
ده قلة أدب مع الله.. مش جريمة، ومصيبة.. ولذلك كل المنتحرين يدخلون النار.. طيب افرض أنه مجنون.. مادام فقد عقله، عنده مرض عقلي يبقى مش هايحاسب أصلا.
كلهم هايدخلوا النار، مادام أتى الانتحار قاصدا عالما مختارا.
ليه ربنا أعطى الإنسان الاختيار ليقتل نفسه
وسأل أحد الطلاب: طالما ربنا حرم الانتحار، ليه ربنا أعطى الإنسان الاختيار علشان يقتل نفسه؟
وأجاب جمعة: علشان يختبرك، يمتحنك، أنا في الدنيا باديلك الكتاب علشان تذاكره، مش علشان تهمله.. ممكن تنجح في الامتحان، أو لا تنجح.. ربنا خلقنا في هذه الحياة الدنيا من أجل الامتحان، الاختبار، الابتلاء.. علشان ييجي يقول لك: انت نجحت في الامتحان، وعملت كيت، وكيت.. انت عايز تعمل، بلاش نبقى بشر، ونبقى ملايكة.. دي بتاعة ربنا بقى.. هو اختارك وكرمك، وجعل الملائكة تسجد لك من أجل ما معك من قدرة الاختيار.
حياة مأساوية
وسأل طالب: لو فيه شخص حياته مأساوية، كل حاجة سوداء، وتمشي في الاتجاه العكسي، ازاي نصبره ونعرفه إن ده اختبار من ربنا، وهل ربنا راضي عنه، وللا مش راضي عنه؟
ورد د. جمعة: أشدُّ الناس بلاءً الأنبياءُ، ثم الأمثل فالأمثل.. نقول له الحديث ده، ونفهمه إن ربنا يمكن البلاوي دي اللي بيشوفها، وبيستكترها، يمكن تكون سبب لسعادته.. كل ما الواحد يقى مثالي تشتد عليه هذه الأحوال.
شاب: لو إنسان طول حياته عارف ربنا وبيقوم بواجباته، ولكن ناس لعبوا في دماغه، وليكن مثلا شيطان أوعزوا إليه بفكرة الانتحار.. هل لو انتحر ربنا هايسيب كل اللي عمله قبل الانتحار؟
وقال الدكتور جمعة: إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره..
الانتحار خوفا من الفضيحة
وسأله شاب: لو حد أساء لواحدة ونشرها بين الناس، وهي لم تقدر على مواجهة نظرة الناس لها، وانتحرت، هل هايكون عليها إثم، واللي أدى بها للانتحار هل سيكون عليه إثم؟
ورد جمعة: طبعا، هي عليها إثم أنها لم تصبر، وهو عليه إثم إنه مفتري، اعتدى عليها بهذا، أو نشر هذا الكذب الذي هي بريئة منه.. ده يدخل النار، وهي تدخل النار؛ لأنها لم تصبر.. ولو صبرت واحتسبت لأراها الله كيف أنه ينتقم من كل ظالم؛ لأن الظلم ظلمات يوم القيامة.
سأل شاب: لو فيه حد اتنصب عليه، فاتجنن، وانتحر؟
وقال الدكتور علي جمعة: اتجنن، يبقى مفيش عليه حساب، لكن هو ما اتجننش، وقال: أنا كدة اتفضحت بين الناس.. وقتل نفسه.. كدة يبقى منتحر، ويبقى رمى نفسه في وش ربنا، وده ما ينفعش.. يبقى هو ده الحكم بتاعه.
الطفل الميئوس من شفائه
وسألت طالبة: لو أب وأم عندهم طفل دخل في غيبوبة، وقعد سنوات طويلة على المحاليل، وصرفوا عليه فلوس كتير، بدون نتيجة، هل سيحاسبون على إنهاء حياته؟
ورد جمعة: لا، مفيش، لأن التداوي هذا ليس واجبا.. وكمان تضيفي عليه إنهم معندهمش يصرفوا كل هذه المصاريف، فرفع الأجهزة عن المريض ليس فيه أي نوع من أنواع الانتحار؛ لأن الله لو أراد أن يشفيه، شفاه، وإن أراد أن يميته أماته.. فقضية المصاريف التي تبذل في إبقاء الكائن حيا وهو لا حول ولا قوة إلا به، لا يعد انتحارا، ولا يعد قتلا.
انتحار الأطفال
وسألت فتاة: هل الأطفال المنتحرين.. طفل لم ينضج.. 11 أو 10 سنين؟
ورد جمعة: ليس عليه شيء، لأن الأطفال ليسوا مكلفين.
وتساءلت إحدى الفتيات: هل اللي بيلعب لعبة أو رياضة خطيرة، وهو عارف كدة، بس مش نيته إنه يرمي نفسه في التهلكة، ومات.. هل يكون منتحرا؟
جمعة: لا.. لعب الألعاب والتدريبات الخطيرة، موجود، ليس عليه شيء، فإذا مات فهو قد يكون شهيدا.. لأنه لم يفعل شيئا حراما، وإنما هذه اللعبة الخطرة التي يمارسها، لاكتساب المهارات وليس للتخلص من الحياة.
وسألت فتاة: لو حد انتحر، وكان مؤمن بالله.. سيدخل النار لفترة، ثم يدخل الجنة، هل هذا صحيح؟
وأجاب: الانتحار إثم من الآثام، فإذا كان مؤمنا وأدى في حياته خيرا، فإن الله يدخله النار، ثم يخرجه، ويدخله الجنة.
إذن فالنفس البشرية عزيزةٌ عند الله، والإنسان بنيان الرب، ملعون من هدمه.. ينبغي علينا أن نحتفظ على الحياة، حتى نحافظ على العبادة؛ حتى نكون في رضا الله تعالى.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا