رئيس التحرير
عصام كامل

الأدب المقارن فى "الابتدائية"

فيتو

كتبت فى "اللزوم" قبل مدة، عن روائع جماليات اللغة وإمكانية تدريسها فى "الابتدائية"، شأن الاشتقاق الأكبر عند ابن جنِّى. اليوم سأذهب إلى ما هو أبعد: تدريس لون من ألوان الأدب المقارن فى آخر "الابتدائية"، وفى "الإعدادية"، أما فى "الثانوية" فسيكون ذهن الطالب قادرًا على استيعاب ما هو أعمق وأبعد مدى.

أستند إلى علماء التربية الجدد فى الدول المتقدمة، الذين يرون أن المقرر الدراسى فى المناهج، يجب أن يكون آخر ما يلجأ إليه المدرس، معنى ذلك أن على الأستاذ أن يبدع فى إيصال مضمون المنهج إلى الطلاب، مثلما يتصرّف كبار الطهاة فى الإعداد والتقديم بإضافة لمساتهم الخاصة، ومثلما يفعل مصممو الأزياء الكبار بقماش شتوى أو صيفى واحد. بهذه الطريقة نحرّر المدرس من أن يكون مجرد ساعى بريد.
ما المانع من فتح ذهن التلميذ أو الطالب على الأدب المقارن ضمن اللغة الواحدة؟ الطريقة التقليدية هى أن نضع بين يديه قصيدة قيلت فى الربيع، خصوصًا وقد أصبح الربيع الفصل الوحيد فى السنة العربية، ونأمره بحفظها "صم" ونقمع خياله بأن الشاعر يعنى كذا ويقول كذا، وإذا رأيت غير هذا فأمك هاوية مع صفر.
المناهج حرة فى نهجها، لكن لا عيب فى أن يأخذ الأستاذ أبياتًا لشعراء مختلفين أسلوبًا وزمانًا ومكانًا، قيلت كلها فى الربيع، ويُرِى طلابه جمال اختلاف الرؤية لدى كل واحد. وكيف أن للعصر تأثيره وللجغرافيا أثرها. هذا منساب سلس سلسبيل، وذاك ينحت المرمر بالإزميل، وكلاهما رائع رائق جميل.
المنهج التقليدى يشبه باقة ضخمة بها نوع واحد من الزهور، والآخر كأنه باقة بها ألوان من الورود والأزاهير. سيحس الطالب ببدائع التناغم والتناسب والتنسيق. تربية الإحساس بالهارمونى هى من أهم الأمانات التى تحملها الرسالة التربوية والتعليمية.
اللغة هى الأخرى عالم من الفنون التشكيلية والموسيقى، ومن الضرورى أن يضفِى المدرس على النصوص فن الإلقاء الجميل، ففى الإلقاء المنغم المعبر بُعْد ذوقى سمعى يحتل مكانة كبيرة فى نقل الإحساس بالجمال إلى المتلقى. لست أدرى مدى صحة ما قيل عن أمير الشعراء أحمد شوقى، إنه لم يكن يلقى أشعاره بنفسه لرداءة صوته. سامحنى الله، فلم أحقق فى هذه المسألة.
لتلك الطريقة المقارنة أبعاد وفوائد شتى، تبلغ حد حرية الخيال والتعبير، وتصل إلى حرية الفكر والرأى فى الأشعار التى تتناول أفكارًا، أكثر مما تعرض صورًا للخيال. وهذا النمط الفكرى الرأيى يحتل أكبر مساحة من أرض الشعر العربى. للأسف طبعًا، وهذا مبحث آخر.
نقلًا عن "الخليج الإماراتية".
الجريدة الرسمية