المجددون.. النسائي بحر العلوم وضحية التعصب

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّدُ لها دينها".
ولم يشترط السيوطي أن يكون "المجدِّدُ" فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها ودنياها في أي مجال من المجالات، وأيده في ذلك ابن الأثير الجزري وشمس الدين الذهبي، وابن كثير الدمشقي، وابن حجر العسقلاني.
ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد، بل قد يكون هناك أكثر من عالِمٍ في أكثر من مكان، في وقتٍ واحدٍ، أو أزمانٍ متفرقة، يتميز كل منهم بمزية في علم من العلوم الدينة والدنيوية، شريطة أن يكونوا جميعا مسلمين، مؤمنين، ملتزمين بهدي الدين الحنيف.
وهذا موجود، ولله الحمد، حتى قيام الساعة، فهناك من يتفوق في اللغة، والفقه، والتفسير، وهناك من يمتاز في العلوم الحديثة، كالطب والهندسة والتكنولوجيا، وغيرها.. وهناك من يدفع عن الإسلام شبهات الملحدين، والمتطرفين والمفرطين، ويصد هجمات المبطلين، والمنحرفين، وأعداء الدين.
النسائي.. بحر العلوم، ضحية التعصب (215 هـ - 303 هـ)
وصفه العلامة الذهبي، قائلا: "لم يكن أحد في رأس الثلاث مئة (بداية القرن الرابع الهجري) أحفظُ من النسائي، هو أحذق بالحديث وعِلله ورجاله من مُسلم ومن أبي داود ومن أبي عيسى (الترمذي)، وهو جارٍ في مضمار البخاري وأبي زُرعة (مساوٍ لهما)".
عاش حياته التي بلغت ثمانية وثمانين عاما لخدمة حديث رسول الله ونقله وتعلُّمه وتعليمه، حتى صار آية من آيات عصره، وأحد الستة المشاهير من رجالات الحديث ومصنفاتهم على مرّ الزمان وحتى الآن.
عدَّهُ ابن الأثير الجزري والذهبي ومحمد شمس الحق العظيم آبادي أحد المجددين على رأس المائة الثالثة بصفته أحد المحدثين.
هو أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار النسائي، وكنيته "أبو عبد الرحمن"، أحد أشهر أئمة الحديث النبوى الشريف، وهو صاحب السنن الصغرى والكبرى، المعروف بسنن النسائى، وهو أحد علماء الأمة، ومن أكبر أئمة الحديث، حتى أن السيوطي، قال عنه: "النسائى مجدد المائة الثالثة"، وله مسيرة علمية غاية في الأهمية.
مولده ونشأته
كان مولده عام 829م (215هـ)، في مدينة نسا بإقليم خراسان، الواقعة اليوم 18 كم جنوب غرب العاصمة التركمانستانية عشق آباد، وُلد أحمد بن شُعيب بن علي بن سنان بن دينار النسائي الشافعي.
لا يعرف الكثير عن بداياته في مسقط رأسه، مما يدل على أنه نشأ في أسرة متواضعة العلم والمكانة.
في الخامسة عشرة من عُمره، أي سنة 230هـ، قرّر التوجُّه إلى بلدة بغلان القريبة من نواحي بلخ شمال أفغانستان اليوم؛ ليلازم الإمام الراوية المحدّث قُتيبة بن سعيد البلخي، وكان قتيبة من كبار الأئمة المحدِّثين، سمع على الإمام مالك بن أنس في المدينة المنورة، والإمام الليث بن سعد في مصر والعراق والشام وغيرها، وعاد إلى بلدته فكان منارة لأبناء خراسان وما وراء النهر، فتتلمذ عليه جمهرة من كبارهم، على رأسهم الإمامان البخاري ومسلم.
ظل النسائي عاما وشهرين لا يبرح شيخه قُتيبة، يسمع منه كلّ ما كان في جُعبته من علوم الحديث والرواية، ولا شكّ أنه سمع منه عن رحلته إلى الجزيرة العربية والعراق ومصر وحلب والمصّيصة بجنوب تركيا وغيرها، وعن لقائه بأكابر علماء الأمة من الفقهاء والمحدّثين، وهو ما استهوى لديه هذا الحسّ ولمّا يزل في ريعان شبابه، فقرّر تقليد شيخه والسفر منطلقا إلى مدن إيران والعراق والجزيرة والشام والثغور، ثم مصر التي ارتاحت نفسه بها، وقرّر سُكناها منذ عام 243هـ وحتى عام 302م، أي ما يقرب من ستة عقود علّم فيها النسائي طلبة العلم الذين قصدوه من بقاع العالم الإسلامي.
السنن الكبرى والسنن الصغرى
سنن النسائي هو أحد أهم كتب الحديث، جمع فيه الإمام النسائى ما صح عنده من حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، بما وافق شروطه وضوابطه فى جمع الحديث، وهو في الأصل منتخب ومستخلص من كتاب آخر كتبه النسائي سماه "السنن الكبرى"، حيث انتخب منه كتاب "المجتبى" الذى اشتهر بسنن النسائي.
ويشبه كتابه منهج الإمام البخاري في تدقيق الاستنباط والتبويب لما يستنبطه بحيث يُكرِّر لذلك المتون.
وكتاب النسائي هو أحد الكتب الحديث الستة المشهورة، تأتى مرتبته بعد الصحيحين، لما جاء فيه من الأحاديث الصحيحة، له شروط شديدة وعالية فى انتقاد الرواة، ليأخذ من الحديث ما صح، فضبط رواته وشدد الثقة بهم، حتى كانت شروطه أشد من شروط أصحاب الكتب الثلاث غير الصحيحين من الكتب الستة المشهورة، جمع الإمام النسائى فى سننه بين الفقه والإسناد، فنجد أنه رتب الأحاديث حسب الأبواب، ووضع لكل باب منها عناوين، وجمع أسانيد الحديث الواحد فى مكان واحد.
في مصر
أنجز الكثير من مؤلفاته فى مصر، أثناء عصر الدولة الطولونية، كما قام باستخراج "السنن الصغرى"، من كتابه "السنن الكبرى"، وقد روى ابن الأثير أن "أحد الأمراء، على الأرجح أحمد بن طولون، سأل النسائي: هل كل ما فى كتاب السنن صحيح؟ فقال: لا، فقال له: أخرج لنا الصحيح منه، فعمد إلى ذلك فترة من الزمن، فأخرج كتابه العمدة "السنن الصغرى".
وسُئل الحافظ علي بن عُمر الدّارقُطني: "إذا حدَّث محمد بن إسحاق ابن خُزيمة وأحمد بن شُعيب النسائي حديثا فمَن تُقدّم منهما؟ قال: النسائي لأنه أسند، على أني لا أقدم على النسائي أحدا، وإن كان ابن خزيمة إماما ثبْتًا معدوم النظير".
عُرِف عنه اجتهاده في العبادة والنوافل وإقامة الطاعات، بل والجهاد في سبيل الله في مناطق الثغور في جنوب الأناضول وغيرها، وكان يحرص على فداء الأسرى من حُرّ ماله.
ضحية التعصب
دفع النسائي حياته بسبب التعصب الأعمى، وهو الذي وصفه الدارقطني بأنه "أعلم من مسلم".
وفي تفاصيل تلك المأساة، أن الإمام النسائي خرج من مصر في أواخر سنة 302هـ إلى دمشق، وقيل الرملة في فلسطين، ربما للحج أو العمرة، وكانت الشام لا تزال تتعصّب لمعاوية، كما أن الكوفة تتعصّب لعلي، رغم مرور عشرات السنوات على وفاتهما.. وكان النسائيُّ قد وضع كتابا في "فضائل عليّ"، وكان هدفه من وراء ذلك التعريف بفضائل الصحابة، رضوان الله عليهم، لكنه فوجئ بهجوم الهمج والغوغاء من المتعصبين لمعاوية، حتى ضربوه وداسوه بنعالهم، وكان آنذاك في الـ88 من العمر، فأثّر ذلك في صحته، وما لبث أن تُوُفي في أوائل عام 303هـ، ودُفِن في مكة المكرمة، وقيل في الرملة أو دمشق.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا