وزير الثقافة الفلسطينى: الجيل الذي رأى أشلاء أبيه وأمه سيحرر أرضنا.. ونترجم أعمال أدباء غزة عن المجازر لـ 10 لغات.. وفقدنا الثقة بالمنظومة الدولية (حوار)
>> أصدرنا كتابا لتوثيق ما يحدث في غزة بعنوان “الرمال الحمراء” بأقلام 30 كاتبا
>> اليهود ليس لهم تراث ولا ثقافة ولا تاريخ والمستوطنون يسرقون تراثنا كأكلات الحمص والفلافل والزى المطرز
>> الثقافة يمكن أن تكون مدعاة للرفاهية إلا فى فلسطين وأكبر دليل ما رسمه الأطفال الفلسطينيون فى معرض "غزة"
>> العديد من المدن الفلسطينية كالخليل مدرجة فى اليونسكو والمنظمات الأممية
>> نشكو همنا إلى منظمة اليونسكو ولا نتلقى غير رسالة مسجلة تثمن جهودنا على التواصل معهم
>> أين منظمات حقوق الإنسان ؟.. الكل يرى كيف تذبح النساء وتغتصب والأطفال كيف نلملم أشلاءهم
>> كبار السن الذين تنهار فوق رؤوسهم المبانى تحت القصف والصواريخ
>> هناك 170 ألف قطعة سلاح تم توزيعها على المستوطنين اليهود باعتبارهم مدنيين، منذ 7 أكتوبر 2023
>> الإسرائيليون اليوم هم الأشرس والأجرأ على اقتراف هذه الجرائم والمجازر ولديهم غطاء
>> الثقافة سلاح المقاومة ضد إسرائيل ونحن نستحق الحياة
>> الطفل الفلسطينى يولد وسط ثقافة الدم.. وبكيت عندما التقيت بأطفال غزة
أربعمائة يوم ولم تضع الحرب فى غزة أوزارها بعد، ولا يعرف أحد متى تتوقف المجازر الإسرائيلية، بل يتسع ميدان المعركة يومًا بعد يوم، وتتضاعف أعداد الشهداء والمصابين، والمأساة الإنسانية تتعاظم، والدم لا يتوقف عن النزف، والمجتمع الدولى يثبت أنه لا شيء؛
لذا فإن الجلوس إلى مسئول فى الحكومة الفلسطينية فى مثل هذا الظرف يبقى فرض عين؛ حتى يطلعنا -عن قرب- على تفاصيل المشهد، فليس من سمع كمن رأى.
“فيتو” التقت وزير الثقافة الفلسطينى عماد حمدان الذى رسم صورة من العمق الفلسطيني، وتحدث بقلب مفعم بالحزن عن كواليس وأسرار قد لا تلتقطها عدسات المصورين ولا كاميرات الفضائيات التى لا تزال تتعامل مع الملف كله بانتقائية تصل حد العنصرية.. الحوار يذخر بالكثير والكثير.. وهذا نص ما دار معه من حوار:
*ذكرت فى خطابك أمام المنتدى الدولى الـ10 للثقافات المتحدة بسان بطرسبرج أن “ الثقافة فى فلسطين ليست رفاهية، بل هى سلاح الكرامة والبقاء وشهادة حية على حقكم الراسخ فى الوجود”..بصفتك وزير ثقافة حرب، كيف يدار الملف الثقافى فى الداخل والخارج وما هى أولوياتك الآن؟
الثقافة يمكن أن تكون مدعاة للرفاهية إلا فى فلسطين، وأكبر دليل إذا شاهدتم ما رسمه الأطفال الفلسطينيون فى معرض “غزة.. لون وفلك وبعث” فقد عبروا عما بداخلهم فى مشاهد صادمة، ولكنها حقيقية، ومهمتنا هو كيف يمكن أن نعكس دور الثقافة فى المقاومة، وتمسكنا بتراثنا وموروثنا وهويتنا وسرديتنا هى نوع من أنواع المقاومة، والتى لا يزال الإسرائيليون يحاولون محوها.
وعندما نتحدث عن ضرورة التمسك بنشر الرواية وترجمتها وإيصالها إلى العالم، فترجمنا العديد من المنشورات وسوف نبدأ فى بعض الأعمال التى كتبت بأيدى وأقلام أدباء وشعراء من داخل قطاع غزة، فهذه الشهادات على المأساة والمعاناة والروايات الحقيقية التى شهدوها بأعينهم وعاشوها سوف تترجم إلى 10 لغات وسيتم نشرها وهذا نوع من أنواع المقاومة.
ومؤخرا كنا قد سجلنا ووثقنا مجموعة من العناصر التراثية الفلسطينية ومنها الكوفية، الدبس الخليلى، الصابون النابلسى والنول الغزاوى، لدى المنظمات التى تعنى بالحفاظ على الموروث الثقافى (اليونسكو- الإيسيسكو – الالسكو).
والمعروف أن هناك يوما عالميا للاحتفال بالتراث، ولكن فلسطين تميزت بأن تفرز يوما خاصا بالتراث الفلسطينى وهو الـ 7 أكتوبر من كل عام، ومع الأسف تصادف هذا العام مع ذكرى مرور سنة على حرب الإبادة الجماعية على غزة، ولكن بالرغم من كل ما نشهده من تحديات سعينا إلى تسليط الضوء على تراثنا والموروث الفلسطينى، وأصدرنا بيانا قرىء على كل الطلاب فى المدارس والجامعات وتم حثهم على ارتداء الزى الشعبى التقليدى فى ذلك اليوم.
*الكتابة هى حفظ الذاكرة، فكيف تقدم وزارة الثقافة الفلسطينية دعما للكتاب والأدباء داخليا وخارجيا؟
أنا لستُ أديبا أو شاعرا، ولكنى أقف على مسافة واحدة من جميع القطاعات، الأدباء مع الفنانين مع الموسيقيين مع المسرحيين والسينمائيين، وكنت سأعمل على النهوض فى كافة المجالات على نفس المستوى، ولكن عندما بدأنا العمل وجدنا محددات كثيرة، لا نقدر نتكلم عن مهرجانات أو احتفالات أو أى مظاهر للابتهاج
وعندما نظمنا يوم التراث كنا حذرين جدا فيما سوف يقدم من عروض وخطابات وفقرات، فكان الغناء ممنوعا، الموسيقى ممنوعة، الآكلات الشعبية أيضا ممنوعة، ووضعنا برنامجا يتوافق مع الظروف التى يعيشيها أخواتنا وأهلنا فى غزة والضفة الغربية (مخيم نور شمس – نابلس – جنين – طولكرم).
وهذا الوضع يأخذنا للتركيز مع الكتابات والروايات والعمل على نشرها عالميا بكافة الطرق، لاستهداف كافة المجتمعات.
وبدأنا من خلال كتابات أدباء وشعراء غزة الذين عاشوا تلك الويلات والمعاناة، حتى يوصلوا تجربتهم الواقعية وتصل أصواتهم للعالم، ومؤخرا أصدرنا كتابا للتوثيق على ما يحدث بعنوان “الرمال الحمراء” وكان بأقلام 30 كاتبا من غزة، بمشاركة ريش مجموعة من الفنانين التشكيليين، وسيتم العمل على ترجمته وتوزيعه.
أيضا عملنا على مشروع آخر، حيث طالبنا من العديد من الكتاب والأدباء الدوليين المحبين للسلام، أن يوجهوا رسائل إلى الأدباء والشعب الفلسطينى فى غزة، فشارك معنا كتاب من روسيا وإسبانيا والبرتغال وهكذا.
*تم هدم مسجد العمرى، أحد أهم الآثار الفلسطينية هذا بخلاف ما تم تدميره من كنائس ومواقع.. فى رأيك ما مصير هذا المسجد وهل سيمكن إعادة ترميمه يوما ما؟ وما حقيقة إن إسرائيل تنقل الأحجار القديمة للأماكن الأثرية إلى أماكن أخرى؟
قبل أن أصبح وزيرا للثقافة، كنت مديرا عاما للجنة إعمار الخليل، وكان من ضمن الأمور التى وثقناها عمليات سرقة المستوطنين لحجارة المبانى المهدمة أو المبانى التى يتعمدون هدمها، وفى إحدى الطرقات التى سعوا لإنشائها بين الحرم الإبراهيمى ومستوطنة كريات 4 وكانت خلال مناطق تراثية ومبان تاريخية، وكانوا يرسلون أناسا يحملون تلك الحجارة إلى المستوطنة، فهم ليس لهم تراث ولا ثقافة ولا حتى تاريخ، وكل ما يفعلونه محاولات لسرقة تراثنا كأكلات الحمص والفلافل والزى المطرز، وكما علمنا أنهم يرسمون النقوش الإسرائيلية على الحجارة ووضعها فى المناطق العامة ثم يقولوا عنها أبنية يهودية.
وعند هدم الهيكل الخارجى للمبنى التراثي، لا نقدر إصلاحه بأثر رجعى لأنه فقد قيمته التاريخية وأهميته التراثية، ويظل الموقع الأساسى الذى يمكن تعزيزه برواية تتحدث عنه وعن قيمته، وبمفهوم إعادة الترميم، هناك مدرستان، الأولى إعادة المبنى بالحجارة نفسها، والثانية إعادته بحجارة جديدة بحيث ندلل على ما تعرض له خلال حقبة زمنية معينة للتوثيق تاريخيا.
*وما هو موقف منظمات المجتمع الدولى من ذلك للحفاظ وحماية التراث الفلسطيني؟
نحن كفلسطينيين فقدنا الثقة فى كل هذه المنظومة الدولية، وبعيدا عن اليونسكو ومنظمات الحفاظ على التراث والموروث الثقافي، أين منظمات حقوق الإنسان ومنظمات حقوق الطفل ومنظمات حقوق المرأة، فالكل يرى كيف تذبح النساء وتغتصب، والأطفال كيف نلملم أشلاءهم، وكبار السن الذين تنهار فوق رؤوسهم المبانى تحت القصف والصواريخ؟!
*هل هناك مشروع توثيقى للمناطق التى تم هدمها؟ وهل هناك توثيق لحكايات الأمكنة؟
الحفاظ على الموروث الثقافى المادى فى فلسطين، هى مسئولية وزارة السياحة والآثار، ومسئولية وزارة الثقافة الحفاظ على التراث اللا مادى كـ الحكايات الشعبية والتقاليد والعادات والمنتجات الحرفية، لكن اليوم نعمل بتكاملية ووزارة السياحة والآثار شكلت لجنة بعضوية وزارة الثقافة والعديد من الوزارات كالأوقاف والتربية والتعليم
وهناك جهود تبذل فى توثيق المبانى التراثية والتاريخية، خصوصا المواقع التى تعرضت للضرب والأذى، وتقدير قيمة الضرر وجمع البيانات والعمل على توثيقها من خلال الذين عاشوا حول هذا المبنى وبداخله وأيضا المعلومات التاريخية.
ومن خلال عملى فى لجنة إعمار الخليل – إحياء المدن القديمة – كنا قد ساهمنا فى إعادة ترميم مسجد العمرى منذ 25 عاما، وعندنا رسوماته وتصميماته القديمة، والعديد من المدن الفلسطينية كالخليل مدرجة فى اليونسكو والمنظمات الأممية، على الرغم من الصراع السياسى بيننا وبين الإسرائيليين ومحاولاتهم تسجيل نفس المدينة بما فيها الحرم الإبراهيمى.
ولكن اليوم قد تأتى إسرائيل وتمنعنا من عمليات الترميم من خلال بناء مستوطنات أو تحت شعار تهديد الأمن، ونحن نشكو همنا إلى منظمة اليونسكو بما تتضمنه من 196 دولة ولا نتلقى غير رسالة مسجلة تثمن جهودنا على التواصل معهم وسوف يتم بحث الأمر، ثم لا أحد يرجع إلينا !!.. فما الذى سوف يفعلونه فى غزة؟!
*رأينا عائلات كاملة استشهدت خلال حرب الإبادة الجماعية، فهل هناك مقترح بتوثيق سير تلك العائلات التى انقطع نسلها من على الأرض؟
لدينا فى وزارة الثقافة لجنة مختصة برصد وتوثيق وإعداد قاعدة بيانات لها علاقة بالمثقفين والقطاع الثقافى فى غزة، ونعتبر أن أكبر خسائرنا هى الخسارة البشرية، ومن خلاله وصلنا إلى معلومات عن المثقفين والأدباء والشعراء، الذين استشهدوا ومن الذى يظل على قيد الحياة، ومن الذى نزح إلى خارج البلاد سواء إلى مصر أو غيرها ومحاولة التواصل معهم ومعرفة عناوينهم، أما رصد كل العائلات فيكون من خلال وزارة الداخلية.
*وهل تم التواصل مع وزير الثقافة المصرى وتوقيع بروتوكولات أو اتفاقيات مشتركة؟
التقيت بالدكتور أحمد هنو وزير الثقافة، فى المنتدى الدولى للثقافات المتحدة بسان بطرسبرج ووعدته بزيارة، ولكن للأسف لدى ارتباط مع مجلس الوزراء، ومستعد أن آتى إليه خصيصا، ونحن دائما نشيد بالعلاقة الفلسطينية المصرية الوطيدة، ونعتبر مصر هى العمق للشعب الفلسطينى وقضيته وحاضنته.
*وما الذى ينتظره الجانب الفلسطينى من المثقفين والمبدعين العرب؟
بعيدا عن الآداب، إقامة الفعاليات الفنية والموسيقية ممنوع داخل فلسطين بسبب ظروف الدمار والقتل والإبادة الجماعية، لكن بالخارج بالدول العربية ممكن أن نشارك فى بعض الأنشطة التى يكون عنوانها غزة وتعد من أجلها وإذا كان فيها ريع يخصص لأهل غزة أو لأى مجال من المشاركين سواء فنانين أو موسيقيين وهكذا.
*الطفل الفلسطينى يولد وسط ثقافة الدم.. فكيف يمكن إعادة ترميم وتطبيب جراحه؟
هذا سؤال صعب، فعندما التقيت الأطفال الذين رسموا ذويهم الشهداء، وسمعت كلماتهم بكيت من قدرتهم على استمرار الصمود، وما أستطيع أن أقوله هو أن التعويل فى قادم الأيام على هذا الجيل الذى عاش الويلات ورأى أشلاء أبيه وأمه، وبهذا سيكون عنده الحافز لتحرير فلسطين وبالتالى سوف يكون ذلك بمثابة الثأر لعائلته ونأمل ذلك، وهذا سيأخذ أجيالا، حتى أن الأجيال الحالية تتعافى من هذه الصدمة الإنسانية، فما نراه كارثة.
*الشعب الفلسطينى اعتاد مواجهة الكيان الإسرائيلى المحتل.. فما الذى تختلف عنه الحرب الآن عن السابق؟
فى هذه الأيام، الرصاص هو من يحكى، واليوم الإسرائيليون هم الأشرس والأجرأ على اقتراف هذه الجرائم والمجازر وهم مغطيين، فـ 170 ألف قطعة سلاح تم توزيعها على المستوطنين باعتبارهم مدنيين، من قبل بن غفير من 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم. وللأسف الشديد حتى نكون واقعيين، فالزمن لصالحهم أكثر من أن يكون لصالحنا لأسباب عديدة.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.