رئيس التحرير
عصام كامل

وائل النحاس: سياسات صندوق النقد ستؤدى لمزيد من إفقار المصريين.. والضغوط الاقتصادية وصلت لمرحلة لا تطاق (حوار)

الخبير الاقتصادى
الخبير الاقتصادى الدكتور «وائل النحاس» - فيتو

>> المصريون يكرهون صندوق النقد لهذا السبب
>> عبد الناصر كان ينتقد البنك الدولى وصندوق النقد فى خطاباته وأجدادنا يتذكرونها
>> رفع الدعم وزيادة الأسعار والتضخم أبرز الآثار السلبية على المواطن
>> مراجعة موقف مصر مع الصندوق تعني تأجيل برامج الإصلاحات الاقتصادية لفترات لاحقة 

>> علاقة مصر بصندوق النقد استراتيجية ومعقدة وتتداخل فيها المصالح الوطنية مع الشروط الدولية
>> يجب أن ندرك حجم المعاناة التى يعيشها المصريون حاليا على وقع الاستجابة لوصاية صندوق النقد 
>> مراجعة مصر لموقفها مع صندوق النقد الدولى تمثل خطوة استراتيجية ضرورية 
>> المجتمع منقسم إلى طبقة لا تشعر بالتأثيرات السلبية للأزمات وأخرى غير قادرة على مواجهة التحديات

 



 تبدأ بعثة صندوق النقد الدولي الثلاثاء 5 نوفمبر 2024 أولي أيام إجراء المراجعة الرابعة على برنامج مصر للإصلاح الاقتصادي الذي يدعمه بقرض بقيمة 8 مليارات دولار.


وفي حال اعتماد صندوق النقد الدولي المراجعة سيحق لمصر صرف 1.3 مليار دولار قيمة المراجعة الرابعة بعد اعتمادها من المجلس التنفيذي للصندوق.

ويفحص صندوق النقد الدولي كل السياسة الاقتصادية القائمة بدقة فائقة للتأكد من التزام السلطات المصرية بكافة السياسات المتفق عليها من أهمها مرونة سعر الصرف ترشيد الدعم على البنزين والسولار والغاز والكهرباء وكبح التضخم.

وتتجه الدولة إلى اتخاذ خطوات جدية لاستكمال تنفيذ وثيقة ملكية الدولة أي تخارجها من بعض الحصص المملوكة لها لصالح القطاع الخاص بهدف سد فجوة النقد الأجنبي وتقليص هيمنة الدولة عى الاقتصاد لرفع العبء عن الموازنة العامة للدولة

كان صندوق النقد الدولي انتهى من 3 مراجعات على برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، بما أتاح لمصر استلام 822 مليون دولار في أبريل الماضي عن المراجعة الأولى والثانية، و822 مليون دولار في أغسطس عن المراجعة الثالثة.
وتعتبر مراجعة مصر لموقفها مع صندوق النقد الدولى خطوة حيوية فى ظل التحديات الاقتصادية العالمية المتزايدة، حيث تواجه ضغوطات كبيرة نتيجة الأزمات المتعددة التى أثرت على اقتصادها، ما يتطلب إعادة تقييم العلاقات القائمة مع الصندوق، لضمان توافقها مع المتغيرات الحالية، حيث تتجلى أهمية هذه المراجعة فى توفير فرصة للحكومة لتوضيح التحديات التى تواجهها، وإجراء تعديلات تتناسب مع الظروف الراهنة.
فى هذا السياق حاورت «فيتو » الخبير الاقتصادى الدكتور «وائل النحاس» للحديث حول سيناريوهات العلاقة بين الحكومة وصندوق النقد الدولي،  وماذا لو لم نتفق مع الصندوق خلال المراجعات القادمة؟

 

*بداية، كيف ترى مراجعة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي؟ 


بالرجوع إلى بدايات الاتفاق مع صندوق النقد الدولى نرى أن هناك منهجية تم الاتفاق عليها، وهناك التزام من جانب مصر بتطبيق تلك المنهجية، والحديث مؤخرا أمر بروتوكولى وإلزامى من جانب الصندوق، لأنه وافق فى أبريل الماضى على رفع قيمة القرض من 3 إلى 8 مليارات دولار، بعد إعلان البنك المركزى تحرير سعر الصرف، وقد رأينا وتابعنا حديث الرئيس عبد الفتاح السيسى مؤخًرا عن ضرورة مراجعة الاتفاق مع صندوق النقد الدولى إذا كان سيضع الناس فى وضع غير محتمل”.

*هل تتحمل مصر باقى تبعات الاتفاق مع الصندوق؟


الإجابة، لا، مراجعة موقف مصر مع الصندوق تعنى بكل بساطة إعادة فتح برامج الإصلاحات الاقتصادية، وتأجيل بعضها لفترات لاحقة، لتخفيف صدمة تبعاتها على المستهلك المحلي، وذلك حتى إذا كانت المؤسسة الدولية مصممة على المضى قدما فى خطة الإصلاحات من دون تغيير، وفق الجداول الزمنية المحددة مسبقا مع الحكومة المصرية.
والتزمت مصر بحزمة من الإجراءات والسياسات فى برنامج صندوق النقد الدولى أهمها الالتزام بسعر صرف حر للجنيه مقابل العملات الأجنبية، وترشيد الدعم على السولار والبنزين، وتخارج الدولة بجزء من أصول مملوكة لها لصالح القطاع الخاص لسد فجوة التمويل الخارجي.

 

*لماذا يجب مراجعة موقف برنامج مصر للإصلاح الاقتصادى مع الصندوق؟


لا بد من مراجعة موقف برنامج مصر للإصلاح الاقتصادى مع صندوق النقد الدولى فى ظل “تداعيات التحديات الإقليمية والدولية”، واحتمالية الضغط الاقتصادى “بشكل لا يتحمله الناس”، وذلك قبل مراجعة محتملة للبرنامج الشهر المقبل
كما يجب ان يدرك الصندوق أن مصر “فقدت من 6 إلى 7 مليارات دولار من إيرادات قناة السويس خلال 7 إلى 10 أشهر ماضية، فى ظل احتمال استمرار الأمر إلى عام آخر” نتيجة التداعيات الإقليمية والدولية.

*ماذا لو لم تتوصل مصر إلى اتفاق مع الصندوق بشأن تأجيل بعض الاشتراطات الصعبة؟


مراجعة موقف مصر مع صندوق النقد الدولى تعنى احتمال إعادة فتح بعض برامج الإصلاح الاقتصادى وتأجيل تنفيذها لفترات لاحقة، بهدف تخفيف آثارها على المستهلك المحلي
وقد أطلقت مصر خلال العام الحالي، عدة صفقات لبيع حصص مملوكة للدولة لصالح القطاع الخاص، مما يعزز مشاركة القطاع الخاص المحلى فى الاقتصاد، وفى حالة حدوث خلافات حول مواعيد تنفيذ الإصلاحات بين مصر والصندوق، فقد يتم تأجيل مراجعات البرنامج، وهو ما سيؤثر على مواعيد تسليم شرائح جديدة من القرض، الذى يبلغ إجماليه 8 مليارات دولار
ومصر التزمت بجزء كبير من تعهداتها وقراراتها الصعبة ضمن برنامجها الحالى مع الصندوق، ورغم أن المراجعة الرابعة للبرنامج كان من المقرر إجراؤها فى بداية أكتوبر، فقد تأجلت إلى مطلع نوفمبر بطلب من الصندوق، وستتيح هذه المراجعة لمصر الحصول على 1.3 مليار دولار.

*ماذا يريد الصندوق تحديدا من مصر خلال مراجعاته الأخيرة؟


تطرق الصندوق، فى تعليقاته السابقة على برنامج مصر، إلى عدة نقاط أساسية؛ أبرزها تسريع بيع أصول الحكومة، وضرورة استعادة أسعار الطاقة إلى مستويات تغطى تكاليف الإنتاج بحلول ديسمبر 2025، ويعتبر الصندوق أن هذه الخطوات ضرورية لتحقيق استقرار فى قطاع الطاقة وتقليل الاختلالات الاقتصادية.

*هل هناك تجارب تاريخية لمصر مع صندوق النقد؟ ولماذا يشكل صندوق النقد كابوسا؟


هناك هاجس حاضر دائما نظرا لوجود تجربة تاريخية مؤلمة لنا فى التعامل مع المؤسسات الأجنبية المانحة منذ عهد الخديوِ إسماعيل حين تمت الاستدانة بإسراف، فترتب على ذلك فرض الوصاية الخارجية على الميزانية العامة المصرية، وبعدها جاء الاحتلال الإنجليزى
وخلال هذه الفترة كثيرا ما انتقد عبد الناصر البنك الدولى وصندوق النقد فى خطاباته، والجيل الشاب الذى استمع لها كبر الآن وصاروا آباء وأجدادا ولا يزال يحتفظ بهذا الموقف من الصندوق، وربما لعب هذا دورا سلبيا فى فشل أغلب اتفاقات مصر مع صندوق الدولى خلال السنوات اللاحقة آنذاك
ففى أغلب الأحوال كانت مصر لا تستكمل بنود هذه البرامج حتى النهاية، لأنها عادة ما تشمل الشروط المعتادة من ضرورة خفض سعر الجنيه أمام الدولار، ورفع أسعار المنتجات البترولية وفرض ضرائب جديدة لتقليل عجز الموازنة، والإسراع فى تنفيذ برامج خصخصة الشركات والبنوك العامة.

*ما العواقب الاقتصادية نتيجة الاستجابة لوصاية صندوق النقد الدولى خلال السنوات الأخيرة ؟


يجب أن ندرك حجم المعاناة التى يعيشها المصريون حاليا على وقع الاستجابة لوصاية صندوق النقد الدولى خلال السنوات الأخيرة، حيث إن الحكومة تتحدث دائما أنها بحاجة إلى تسديد الديون وبحاجة إلى تعويم العملة المحلية، بناء على تعليمات صندوق النقد، وهذه السياسات لن تؤدى إلا إلى المزيد من إفقار المصريين  .
فى مارس تم تحرير سعر صرف الجنيه، وعلى إثر ذلك تراجع أمام الدولار من 31 إلى نحو 50 جنيها، قبل أن يتراجع قليلا إلى نطاق 48.6 جنيها فى الوقت الحالي، وفى الشهر نفسه رفعت مصر أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 10%، تبع ذلك رفع سعر الخبز المدعم 300% من 5 قروش إلى 20 قرشا للرغيف، كما ارتفعت أسعار المواصلات وتذاكر المترو، فى يوليو الماضي، وهو الشهر نفسه الذى نفذت فيه مصر رفعا ثانيا فى أسعار الوقود المباع للمستهلك النهائي، إلى جانب زيادات متباينة على أسعار الغاز المنزلى والصناعي
وفى أغسطس قال رئيس الوزراء المصرى مصطفى مدبولى إن الحكومة سترفع تدريجيا دعم الوقود، ليتساوى مع سعر التكلفة بحلول نهاية 2025، ونفذت مصر مؤخرا، زيادة ثالثة على أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 17.4%، وهو ما يذكى مخاوف  زيادات على أسعار المواصلات والسلع الغذائية التى يعد الوقود أحد مدخلات إنتاجها
كما صعد تضخم أسعار المستهلك السنوى فى السوق المصرية خلال سبتمبر الماضى إلى 26%، ارتفاعا من 25.6% فى أغسطس السابق له، فى ارتفاع للشهر الثانى على التوالي.

*لماذا من المهم مراجعة مصر لاتفاقها مع صندوق النقد ؟


مراجعة مصر لموقفها مع صندوق النقد الدولى تمثل خطوة استراتيجية ضرورية فى ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، فالظروف العالمية فرضت ضغوطًا كبيرة على الاقتصاد المصري، ما يستدعى إعادة تقييم الاتفاقات السابقة مع الصندوق لضمان تكييفها مع المتغيرات الحالية، حيث أنه من المهم وجود شفافية وتواصل فعال بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، وضرورة أن تكون الإصلاحات الاقتصادية مصممة بطريقة تأخذ فى الاعتبار الأبعاد الاجتماعية وتأثيرها على الفئات الأكثر احتياجًا والأسر الفقيرة.

*هل مراجعة الصندوق تعنى إلغاء الاتفاقية بالكامل؟


مراجعة مصر الموقف مع صندوق النقد الدولى تتطلب توضيحًا مهمًا، حيث لا تعنى هذه المراجعة إلغاء الاتفاقية بالكامل، بل تركز على تعديل شروطها، وخاصةً تلك المتعلقة بإلغاء الدعم
حيث وصل الوضع إلى مرحلة يصعب فيها على المواطنين تحمل شروط الصندوق، التى تؤدى فى معظمها إلى زيادة الأسعار والغلاء، ما أصبح لا يُطاق
كما أنه يجب مراعاة البعد الاجتماعى فى أى اشتراطات جديدة، حيث يتعين توفير حياة كريمة للمواطنين تضمن لهم الحفاظ على مستوى معيشتهم، وحاليًا، يعانى المجتمع من انقسام واضح بين طبقتين: طبقة لا تشعر بالتأثيرات السلبية للأزمات، وأخرى تجد نفسها غير قادرة على مواجهة التحديات اليومية.

*أخيرًا،  كيف ترى العلاقة بين مصر وصندوق النقد الدولى ؟


علاقة استراتيجية ومعقدة، حيث تتداخل فيها المصالح الوطنية مع الشروط الدولية، هذه العلاقة، التى تمتد عبر عقود، شهدت تغيرات وتطورات ملحوظة، خصوصًا فى السنوات الأخيرة
فى ظل التحديات الاقتصادية العالمية المتزايدة، والتغيرات الهيكلية التى تمر بها مصر، يصبح من الضرورى فهم تأثير هذه العلاقة على الاقتصاد والمجتمع المصري، حيث إن العلاقة بين مصر وصندوق النقد تتجاوز البعد المالى لتشمل أبعادًا سياسية واجتماعية واقتصادية متنوعة
وصندوق النقد الدولى يمثل مصدرًا رئيسيًا للتمويل الخارجى لمصر، حيث تقدم البرامج التى يمولها الصندوق السيولة اللازمة لسد العجز فى الموازنة وتعزيز الاحتياطيات النقدية ومع ذلك، يرتبط الحصول على هذه التمويلات بتنفيذ برامج إصلاحية تهدف إلى تحسين كفاءة الاقتصاد وعادة ما تشمل هذه البرامج إجراءات تقشفية وإصلاحات هيكلية تهدف إلى تعزيز الأداء الاقتصادي.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"

 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم، أسعار الدولار، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد، أخبار المحافظات، أخبار السياسة، أخبار الحوادث، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
 

الجريدة الرسمية