ميرامار.. حكاية أشهر فيلم سياسي مصري.. يحتل المركز 29 في قائمة الأفضل.. الاتحاد الاشتراكي طالب بمنع عرضه لهذا السبب.. والرئيس يتدخل في اللحظات الأخيرة
ميرامار، قصة عبر بها الأديب الكبير نجيب محفوظ ضمن عشرات قصصه عن واقع الحياة المصرية، حيث عبر فيها عن حب الحارة وحب المثقف وحب الطبقة المتوسطة وحب العوالم، وحب الزاهد والشيخ، وكما يقول محفوظ “كل همّي الناس، أنا أراهم كيفما تطلعت، وميرامار فيها كل ناس مصر”.
ميرامار فيلم يقوم على الرمزية وعرف بالفيلم السياسى ، وعرض فى أواخر أكتوبر 1969، واحتل المركز 29 من قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، أخذ عن رواية أصدرها الأديب نجيب محفوظ عام 1967، واشتراها المنتج جمال الليثى نظير 750 جنيها، لتحويلها إلى فيلم سينمائى، وكتب السيناريو ممدوح الليثى، وأخرج الفيلم كمال الشيخ، من بطولة شادية، يوسف وهبى، يوسف شعبان، عماد حمدى، عبدالرحمن على، نادية الجندى، أبو بكر عزت، نظيم شعراوى، سهير رمزى، إبراهيم سعفان، وعبد المنعم ابراهيم.
عقبات فى طريق عرض ميرامار
بعد تصوير فيلم ميرامار تعرض لعقبات كثيرة كانت سببا فى عدم عرضه منها رفض النقابة التصريح بالعرض، عن هذه الأزمات التى تعرض لها الفيلم يقول نجيب محفوظ: “قبل عرض الفيلم شاهده عدد من أعضاء الاتحاد الاشتراكى فى عرض خاص، فاعترضوا عليه وقالوا إنه يتضمن هجوما صريحا على النظام، وطالبوا بمنع عرضه، فشكا المنتج جمال الليثى فى كل مكان حتى وصل صوته إلى الرئيس جمال عبدالناصر، فكلف نائبه أنور السادات بمشاهدة الفيلم وكتابة تقرير عنه ليتخذ قرارا عادلا بشأنه”.
شاهد السادات فيلم "ميرامار" ومعه وزير الداخلية شعراوى جمعة والدكتورة حكمت أبو زيد وزيرة الشئون الاجتماعية داخل مكتب الرقابة فلم يعترض فيه على كلمة “طظ” ولا الرمزية في الأحداث لكنه اعترض على بعض الألفاظ التي تهين المرأة في جملة تقول “تضربوا الستات زى الحيوانات”، فشعر السادات بأن الجملة فيها إهانة شديدة للمرأة وخاصةً المصرية، وقد حذفت الجملة بالفعل من الأحداث بأوامر رئاسية، وظلت كل الإسقاطات السياسية كما هي ثم أعيد عرض الفيلم.
عرض الفيلم ونجاح
بعد مشاهدة السادات لفيلم ميرامار صرح بأن الفيلم برىء تماما من تهمة العداء للنظام، ودعا الجمهور إلى مشاهدته، وعلق محفوظ بأن السادات لم يفعل ذلك إلا من منطلق عدائه للاتحاد الاشتراكى ونكاية فيه، وعرض الفيلم وحقق نجاحا كبيرا واستمر عرضه 19 اسبوعا.
تدور أحداث قصة " ميرامار " على مجموعة من نزلاء بنسيون ميرامار في الإسكندرية وصاحبته ماريانا اليونانية، وهم يمثلون الطبقات الإجتماعية المصرية من شرائح مختلفة، وهم جميعًا من الرجال الذين يسلطون إهتمامهم على زهرة وقامت بدورها “شادية “ الشخصية المحورية فى الرواية، الفتاة القادمة من إحدى قرى الريف هاربة من بيت أهلها رافضة قرارهم بتزويجها من رجل متقدم في السن، حيث تأتي المصادفة بها إلى بنسيون ميرامار بالاسكندرية لتخدم مجموعة من الرجال ينتمون إلى جيلين مختلفين واتجاهات سياسية واجتماعية مختلفة، وتتعلم أيضا وتمحو أميتها ويتصارع عليها نزلاء البنسيون الخمسة دون ان تفقد كرامتها، نجحت كثيرا فى أداء دورها حتى أن الأديب نجيب محفوظ قال عنها ”شادية من أكثر الفنانات اللاتى نجحن فى تجسيد روح الشخصيات التى كتبتها فى رواياتى التى قدمت لأول مرة صورًا من الحياة المصرية خاصة فى منطقة بحرى”.
مجموعة الاقطاعى والانتهازى والصحفى الواعى
من نزلاء فندق ميرامار فى الفيلم طلبة مرزوق الإقطاعي الكبير الذى صادرت الثورة أرضه وقام بدوره الفنان يوسف وهبى، وسرحان البحيرى الانتهازي والوصولي وقدمه يوسف شعبان، وعامر وجدي الوفدى القديم والصحفي على المعاش وقدمه عماد حمدى وكان الشخصية الوحيدة المتزنة في مجموعة البنسيون، وحسني علام من أعيان طنطا، المهرج الذي استعمل بعض الإفيهات طوال الفيلم مثل "فركيكو لا تلومنى" وقدمه أبو بكر عزت، ومنصور باهى المذيع بإذاعة الاسكندرية،اليسارى المعارض لسياسات الثورة ورجالها وأخوه الضابط بالجيش الذى يراقب كل تصرفاته ليحد منها،وقام بدوره المذيع عبد الرحمن على.
تم تصوير فيلم " ميرامار " فى لوكاندة بالاسكندرية تقع على الكورنيش بمحطة الرمل، بنيت فى عشرينات القرن الماضى عام 1922، شيدها الفنان المعماري" اليسندو لوريا" الإيطالي الجنسية على الطراز الفينيسى الإيطالي حتى ان البعض يطلقون عليها فينيسيا الصغيرة، كما شيد أيضا العمارة الملاصقة لميرامار والتى تقع بجوار فندق سيسل، وبعد نجاح الفيلم أطلق على البنسيون حتى الآن اسم فندق ميرامار حيث تعلق صورة كبيرة للفنانة الراحلة شادية فى مدخل الفندق، وقد لفتت عمارة فؤاد نظر الأديب نجيب محفوظ واستوحى منها أحداث روايته ميرامار.
فى كتابه " كلاسيكيات السينما المصرية" كتب الناقد على أبو شادى نقدا لفيلم ميرامار، قائلا: “هناك تعديا من فيلم ميرامار على النص الأصلى للرواية، حيث ان الفيلم كان النموذج الصارخ فى تشويه رؤية الكاتب وقلب الحقائق، بل والتعدى على شخصيات الرواية”.
وألقى أبوشادى المسؤولية فى ذلك على ممدوح الليثى كاتب سيناريو الفيلم، قائلا إنه كشف عن موقف معاد للثورة بدأه فى ميرامار، وتصاعد معه فى ثرثرة فوق النيل ثم المذنبون، ووصل إلى قمته فى فيلم "الكرنك"، وكلها أعمال نجيب محفوظ، وليظهر روحا كارهة لثورة 23 يوليو، ويبدى تعاطفا بل انحيازا للطبقات التى حاولت الثورة تقليم أظافرها، وتعاليا على الطبقات الكادحة والمطحونة مستغلا ظروف ما بعد الهزيمة عام 1967.
ميرامار المسرح لنجيب سرور
فى المسرح وفى نفس الفترة قدمت فرقة المسرح الحر مسرحية ميرامار مأخوذة عن نفس رواية نجيب محفوظ عام 1972، قام بالإعداد المسرحى والاخراج الشاعر نجيب سرور، والبطولة للفنانين أحمد مرعى، ابراهيم سكر، كمال يس، على الغندور، أنور احمد، وأدت ميمى شكيب دور صاحبة البنسيون، وكريمة مختار دور زهرة واستبدلت بعد ذلك بالفنانة سميرة محسن.