الشيخ علي يوسف.. صاحب أول جريدة مصرية يومية.. شارك في تأسيس الهلال الأحمر المصري.. وهذه قصته مع صفية السادات
الشيخ علي يوسف، الأزهري الذي عمل بالصحافة وأصدر جريدة المؤيد أول جريدة مصرية خالصة، وكانت قصة زواجه من صفية السادات مثار قضايا في المحاكم لاتهامه بعدم التكافؤ مع صفية بنت الحسب والنسب، وأيضا اتهامه بأنه يعمل جورنالجي، المهنة التي كانت تعتبر وضيعة في ذلك الوقت، رحل في مثل هذا اليوم 25 أكتوبر 1913.
ولد الشيخ علي يوسف في قرية بلصفورة بسوهاج عام 1863، وسافر إلى القاهرة لاستكمال تعليمه في الأزهر الشريف ليتلقى العلم لعله يصبح فقيهًا أو معلمًا، وإن فشل يتكسب الرزق بقراءة القرآن على المقابر، وبعد تخرجه في الأزهر كتب بعض الرسائل العلمية والمقالات وأرسلها إلى الصحف، ثم أغرته الصحافة فدخل ميدانها وعمل في مجلة "القاهرة الحرة"، ثم أصدر مجلة "الآداب ".
إصدار جريدة المؤيد
قام الشيخ علي يوسف بإصدار أول جريدة مصرية يومية باسم "المؤيد" كتب فيها كبار المفكرين والكتاب من بينهم قاسم أمين، سعد زغلول، مصطفى لطفي المنفلوطي، مصطفى كامل واستمرت في الصدور 23 سنة متواصلة.
تأسيس الهلال الأحمر
ولما كان الشيخ محمد عبده يعمل قاضيا بمحكمة الاستئناف وكان يرى أن الأصل فى ديننا الحنيف هو السلوك الحميد والتكاتف بين عموم المصريين، فاجتمع بالعقلاء المصريون ومنهم صاحب المؤيد عام 1912 بمنزل أحمد سيوفى باشا ليبدأ الاكتتاب والتبرعات المصرية، باسم الهلال الأحمر، وعندما قامت إيطاليا بمهاجمة ليبيا لاحتلالها وجد الهلال الأحمر فرصته لإثبات وجوده، أما جريدة المؤيد فكانت صاحبة البصمة الكبيرة لصداقة صاحبها للخديوي عباس الذي أصبح رئيسا للهلال الأحمر المصرى، فقامت المؤيد بحملة كبيرة لمقاطعة التجار الإيطاليين وبضائعهم وسحب المصريين لودائعهم من بنك روما وتبنت المؤيد الدعوة إلى جمع التبرعات لجمعية الهلال التي ضمت أهم الشخصيات فى تاريخ مصر.
استطاع الشيخ على يوسف توثيق علاقته بكبار رجال الدولة، وزادت علاقته بالخديوي حلمي الثاني، ثم بالخليفة التركي في القسطنطينية، وازدان صدره بأرفع أوسمة الدولة ونياشينها، وأصبح رجلًا مرموقًا مرغوبًا، إلى جانب كونه صاحب قلم جبار موجه ضد الإنجليز، وبعد وصول الشيخ الى هذه المكانة العالية فكر فى الزواج للمرة الثانية من امرأة ذات حسب ونسب يليق بمكانته الجديدة، خاصة أن زوجته الأولي تليق بكونه كان فقيرا، وهداه البحث إلى بيت السيد "السادات "، وهو بيت عريق أشراف من سلالة الحسين وأحفاد النبي- صلى الله عليه وسلم.
واستقر على يوسف على صفية الابنة الصغرى للسادات التي كانت تتميز بأنها بيضاء اللون، جميلة الوجه، بدينة جدًا، ولم يرض السيد السادات بسهولة إلا بعد أن توسط لـ"العريس" الشيخ على يوسف الوسطاء من الوزراء والأمراء والكبار.
وافق السادات واستمرت الخطوبة ما يقرب من 4 أعوام، وكلما يسأله يوسف عن موعد الزفاف كان يماطله في الرد ويخلق العراقيل، حتى ضاق يوسف بالأمر، ورأى أن الوضع أصبح مهينًا لكرامته، فاتفق مع العروس على أن تخرج من بيت أبوها لبيت السيد البكري الذي كان من أقارب أسرة السادات، وهناك كان المأذون في الانتظار، وعقد القرآن وانطلقت الزغاريد، واستيقظ السادات على خبر منشور في جريدة المقطم بزواج ابنته من علي يوسف، فقرر مقاضاته أمام النيابة العامة لأنها غرر بابنته، بالرغم من بلوغها سن الرشد وأن من حقها أن تزوج نفسها فحفظت النيابة البلاغ.
السادات يلجأ إلى المحكمة
لم يسكت السادات على هذا القرار، فرفع دعوى أمام المحكمة الشرعية يطالب فيها الحكم بإبطال الزواج استنادا إلى أن الشريعة تشترط لصحة الزواج وجود تكافؤ بين الزوجين في الإسلام والنسب والمال والحرفة، والشيخ يوسف غير متكافئ مع نسب السادات الرفيع، وأنه وضيع الأصل يعمل في مهنة الجرائد التي هي – كما قال في صحيفة دعواه- أحقر الحرف ومهنة وضيعة.
الشيخ أبو خطوة ينظر القضية
وفي يوم نظر دعوى زواج على يوسف من صفية كان القاضى هو الشيخ أبو خطوة المعروف عنه بتزمته الشديد، ففي الجلسة الأولى حكم – مبدئيًا – بتسليم صفية إلى أبيها لمنع المخالطة الزوجية حتى يفصل نهائيًا، وافق على يوسف ولكن زوجته صفية رفضت ذلك، وأعلنت أنها إذا عادت فستتعرض لأذى شديد، واهتدى الزوج إلى حل فاتفق معها على أن تترك بيت الزوجية وتذهب إلى بيت رجل محايد مؤتمن، وهو بيت العالم الجليل الشيخ الرافعي المعروف بحسن السمعة، وانتقلت فعلا إلى بيته وأرسلت إلى المحكمة خطابًا بذلك.
وفي الجلسة الثانية رفض الشيخ أبو خطوة هذا الحل، وأعلن أنه لا يعتبره تنفيذًا لقرار المحكمة، وقرر إيقاف القضية وإضرابه عن نظر الدعوى أو أي قضية أخرى في المحكمة حتى ينفذ حكمه بإرسال صفية إلى بيت أبيها ولو بالقوة، فأرسل يوسف إلي زوجته خطاب يحاول إقناعها بالإذعان لحكم المحكمة، لكنها رفضت.
فسخ عقد الزواج
وبالضغط على الشيخ أبو خطوة عاد الى نظر القضية الخاصة بالشيخ على يوسف وأصدر حكمه، بفسخ عقد الزواج، وإذ به يؤيد ما ذهب إليه السادات، وفي لهجة قاسية، بل إنه أضاف شيئًا آخر أنه رأى أن ثراء علي يوسف الحالي لا يمحو عنه وصمة أنه كان فقيرًا ذات يوم وهو يعمل جورنالجى، ولجأ علي يوسف إلى محكمة الاستئناف لكنها أيدت الحكم الأول.
وقال في حيثيات الحكم إنه ثبت من أقوال الشهود أن نسب السادات ينتمى إلى سلالة الحسين وأن على يوسف ثبت أن جده الرابع كان من أهل الكتاب وهو يمتهن مهنة منهي عنها شرعا كما قال محامى السادات.
والغريب أن الشيخ على يوسف نشر خبر التفريق في صدر الصفحة الأولى للمؤيد فى نفس يوم صدوره فى أكتوبر 1904، وترك للقراء رأيهم في الحكم.
أحس السادات بانه استرد كرامته ورضى بعودة الزوجين بعقد زواج جديد وشعر السادات بأن كرامته ردت إليه، وتوسط له الكثير لعودة الزوجين حتى رضي بأن تتزوج ابنته من الشيخ على يوسف بعقد جديد، وبالرغم من كل ذلك عانى الشيخ على يوسف الكثير من صفية زوجته التى أحبها حتى انه كان يرابط في مكتبه بالجريدة 20 ساعة متوالية في اليوم فرارًا من نكد صفية.
وقال الشيخ على يوسف: “عشنا معا وأنجبنا ثلاث بنات لكن صفية تحولت إلى زوجة نكدية لإحساسها بوجاهتها الاجتماعية بعد أن كبرت ولا تختلف عن الست الأولى وكنت أهجر منزل الزوجية حتى آخر الليل حتى أسلم من لسانها الطويل”.
قصة زواج أقامت الدنيا
عن قصة زواج الشيخ على يوسف من صفية كتب الكاتب أحمد بهاء الدين فى مؤلفه "أيام لها تاريخ" يقول: إن قضية صفية السادات والشيخ على يوسف قضية زواج لا غير لكنها أقامت مصر وأقعدتها وقسمت الرأي العام والساسة وأهل الرأي وعامة الناس وكانت محل كثير من المناورات السياسية الدقيقة التي دارت من وراء الستار ذلك أنها كانت صدمة عنيفة للناس في الكثير من معتقداتهم القديمة عن الشرف والحسب والنسب.
وعندما مات الشيخ على يوسف عام 1913، كانت زوجته لا تزال شابة، فعاشت بعده 30 سنة وأحبت الممثل المعروف وقتئذ زكي عكاشة وتزوجته.