إسرائيل تستعد بسيناريوهات الحسم.. وإيران جاهزة.. وساطة دولية لتجنب قصف المنشآت النووية والنفطية لتفادى توسيع الصراع
يترقب المجتمع الدولى الرد الإسرائيلى على الضربة الإيرانية التى جاءت ردا على اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله، ومن قبله قائد حماس إسماعيل هنية، وتتخذ تل أبيب خطوات جادة للرد رغبة منها فى تحسين صورتها العسكرية بعد الهزة التى أحدثتها صواريخ طهران.
ومع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، تتعدد السيناريوهات المحتملة للرد الإسرائيلى على الهجوم الإيرانى الأخير، بينما يسعى الطرفان لتجنب تصعيد شامل، فيما يظل احتمال توجيه ضربات عسكرية أو سيبرانية قائما.
ردّ إسرائيل المحتمل على ضربة إيرانية يثير العديد من السيناريوهات المتوقعة، حيث تسعى الأطراف المعنية، بما فى ذلك الولايات المتحدة، لتجنب تصعيد كبير قد يؤدى إلى تفجر صراع إقليمي، وقد يبدو أن هناك توافقا عاما على أن الرد الإسرائيلى سيستهدف مواقع عسكرية، مع تجنب ضرب المنشآت النووية أو النفطية الإيرانية، وذلك لأسباب تتعلق بالخوف من رد إيرانى غير متوقع، يشمل استهداف دول الخليج وحقول النفط فى المنطقة.
تحاول إسرائيل منذ سنوات إقناع الإدارات الأمريكية بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية أو على الأقل دعم هجوم إسرائيلى عليها. ومع ذلك، كانت الاستجابة الأمريكية متحفظة دائمًا، حيث تدرك الولايات المتحدة حجم الخطر الذى قد ينجم عن صراع كبير يشمل إيران، خصوصًا فى ظل أزمة النفط العالمية الحالية الناتجة عن الحرب فى أوكرانيا. فى ظل هذه الظروف، تسعى بعض الدول الخليجية إلى الضغط على إسرائيل لتنفيذ رد محدود، بهدف حماية منشآت النفط الخاصة بها من أى ردود فعل إيرانية.
على مدار السنوات، خاضت إيران وإسرائيل حرب ظل طويلة تمثلت فى عمليات تخريب واغتيالات، حيث كانت الهجمات غير المباشرة هى السمة الغالبة فى الصراع بين الطرفين. إلا أن هذا النهج تغير فى أبريل الماضى عندما شنت إيران أول هجوم مباشر على إسرائيل باستخدام أكثر من 300 صاروخ ومسيرة، فيما سُمى بـ”عملية الوعد الصادق”. جاء هذا الهجوم كرد انتقامى على مقتل 16 شخصًا، من بينهم مسؤول رفيع فى فيلق القدس، خلال هجوم إسرائيلى على قنصلية إيران فى دمشق.
ردت إسرائيل آنذاك بهجوم محدود على قاعدة جوية فى أصفهان، ولكنها لم تعلن مسؤوليتها بشكل رسمي، حيث كان الهدف توجيه رسالة لإيران بأنها قادرة على استهداف مواقع داخل إيران من مسافة بعيدة.
الهجوم الإيرانى الأخير على إسرائيل فى أكتوبر، والذى جاء بعد أقل من ستة أشهر من الهجوم السابق، دفع إسرائيل إلى التفكير فى رد أكثر قوة، المراقبون يطرحون عدة سيناريوهات لهذا الرد، والتى تشمل استهداف مواقع عسكرية، أو حتى استهداف المنشآت النووية الإيرانية. ورغم أن الرئيس الأمريكى جو بايدن قد أوضح لحكومة بنيامين نتنياهو أن الولايات المتحدة لن تدعم هجومًا على المنشآت النووية، إلا أن هذا الخيار لا يزال مطروحا على الطاولة.
وأشار المسؤول السابق فى مجلس الأمن القومى الأمريكي، دانييل موتون، إلى أن إسرائيل قد ترى فى المنشآت النووية الإيرانية هدفًا مشروعًا، فى حين أن بعض المراقبين فى واشنطن ولندن يخشون أن تكون نية إسرائيل من توسيع حربها ضد “حزب الله” فى لبنان هو تمهيد لخلق الظروف المناسبة لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. حيث إن إسرائيل قد تجد فى هجوم أكتوبر ذريعة للتخطيط وتنفيذ هذا الهجوم.
منشآت مثل “نطنز” و”فوردو” التى تعتبر من أهم مواقع التخصيب النووى فى إيران، قد تكون أهدافًا محتملة. ومع ذلك، يرى الخبراء أن استهداف هذه المنشآت سيكون صعبًا من دون دعم عسكرى أمريكي، خاصة أن بعضها مدفون تحت الأرض ويحتاج إلى أسلحة خارقة للتحصينات، مثل القنبلة الأمريكية (جى بى يو-57) التى لا تمتلكها إسرائيل.
من المرجح أيضًا أن تلجأ إسرائيل إلى استخدام وسائل أخرى أقل تصعيدًا، مثل الهجمات السيبرانية وعمليات الاغتيال، وقد استخدمت إسرائيل سابقًا أساليب من هذا النوع فى إطار عملية “الألعاب الأولمبية”، حيث تعاونت مع الولايات المتحدة لإطلاق هجوم إلكترونى على أجهزة الطرد المركزى الإيرانية باستخدام فيروس “ستوكسنت”، مما أدى إلى تعطيل البرنامج النووى الإيرانى لعدة أشهر.
من السيناريوهات الأكثر ترجيحا هو استهداف مواقع عسكرية واقتصادية، مثل المنشآت النفطية، وتعتمد إيران بشكل كبير على صادرات النفط، والضربات التى تستهدف هذه المنشآت قد تؤدى إلى تفاقم أزمتها الاقتصادية، وفى هذا السياق، نقلت تقارير أن إسرائيل قد تستهدف منشآت نفطية كبرى، مثل “جزيرة خرج” التى تعتبر مركزا رئيسيا لتحميل النفط، إضافة إلى “مصفاة عبادان” التى تلبى احتياجات إيران الداخلية من النفط.
الضربات التى تستهدف المنشآت النفطية الإيرانية قد تؤدى إلى أزمة فى إمدادات النفط العالمية، حيث تنتج إيران حوالى 3 ملايين برميل يوميا، إضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من أن يتوسع الصراع ليشمل دولا خليجية مثل السعودية والإمارات، مما قد يؤثر على حركة ناقلات النفط عبر مضيق هرمز، وهو ممر استراتيجى يمر من خلاله ثلث إنتاج النفط العالمي. أى تصعيد فى هذا السياق قد يؤدى إلى ارتفاع كبير فى أسعار النفط، مما يهدد الاقتصاد العالمي، خصوصًا فى الدول التى تعتمد على النفط المستورد.
على مدى السنوات الماضية، حثت الولايات المتحدة على استخدام الدبلوماسية والعقوبات لاحتواء البرنامج النووى الإيراني، بدلًا من اللجوء إلى القوة العسكرية، ورغم وجود تحالف قوى بين إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أن واشنطن دائما ما كانت متحفظة على دعم ضربات إسرائيلية مباشرة للمنشآت النووية الإيرانية. حتى أن الرئيس الجمهورى الأسبق، جورج بوش الابن، تجاهل مطالب إسرائيل بتزويدها بأسلحة خارقة للتحصينات، وهو ما يشير إلى أن الولايات المتحدة تفضل تجنب التصعيد المباشر.
كما أن إسرائيل قد تلجأ إلى تنفيذ هجمات جوية وصاروخية على أهداف عسكرية داخل إيران، حيث تمتلك إسرائيل صواريخ “أريحا” الباليستية متوسطة المدى، والتى يمكنها الوصول إلى أهداف تبعد آلاف الأميال. ورغم أن هذا الخيار يبدو مغريا لإسرائيل، إلا أنه قد يؤدى إلى رد فعل إيرانى عنيف، مما يزيد من احتمالات نشوب حرب شاملة فى المنطقة.
إلى جانب استهداف إيران مباشرة، قد تواصل إسرائيل ضرب وكلاء إيران فى المنطقة، مثل “حزب الله” فى لبنان و”الحوثيين” فى اليمن، فمنذ اندلاع الصراع فى المنطقة، نفذت إسرائيل عدة ضربات ضد أهداف فى اليمن وسوريا، فى محاولة لتقليص نفوذ إيران ووكلائها، وبعض التقارير تشير إلى أن إسرائيل قد تستمر فى استهداف هذه الجماعات بهدف إضعاف “محور المقاومة” الذى تدعمه إيران فى المنطقة.
فى تحليل للخبير العراقى فى الشأن الإيراني، فراس إلياس، أشار إلى أن المكالمة الهاتفية التى جرت الأسبوع الماضى بين رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكى جو بايدن، قد وضعت الملامح النهائية لخطة الهجوم المحتمل على إيران.
ووفقًا للمصادر الإسرائيلية، كانت إدارة بايدن حريصة على المساهمة فى صياغة هذا الهجوم لضمان أن يكون “مقننًا” وليس مفتوحًا على مصراعيه، أى أنه هجوم محسوب الأثر، ويوضح “إلياس” أن هذا الهجوم المتوقع لن يستهدف البرنامج النووى الإيرانى أو المنشآت الصناعية الكبيرة، بل سيركز على أهداف عسكرية مثل معسكرات ومنظومات الدفاع الجوى الإيرانية. وعلى الرغم من التصريحات الإسرائيلية التى تصف الهجوم بأنه سيكون “واسعًا ومميتًا”، يشير “إلياس” إلى أن هذه التصريحات قد تندرج ضمن إطار الحرب النفسية أكثر من كونها نية فعلية.
من جهة أخرى، كانت إيران قد أعلنت أنها وضعت عشرة سيناريوهات للتعامل مع أى هجوم إسرائيلى محتمل، وتوقع الخبراء الإيرانيون أن يكون الهجوم مركبًا، يجمع بين الضربات الجوية والهجمات الصاروخية، لكن القدرة الإيرانية على تحييد هذا الهجوم ستعتمد بشكل كبير على قدرتها فى تحديد توقيت ونوع الضربة.
تحدث الحرس الثورى الإيرانى مؤخرًا عن استراتيجيات ما يُعرف بالكمائن الجوية، وهى تقوم على استخدام منظومات الدفاع الجوى والطائرات المسيرة بشكل منسق لصد أى هجوم جوى إسرائيلى محتمل، ومع ذلك، يشدد فراس إلياس على أن نجاح هذه الاستراتيجية يبقى مسألة نسبية، حيث لا يوجد ضمان مطلق لقدرتها على منع وقوع الضربات بشكل كامل.