رئيس التحرير
عصام كامل

استثمار غربى لعوراتنا العربية


حينما يقف صاحب الخيبة السوداء أوباما مستجوَبَاً أمام نواب الشعب الأمريكى حول فضيحة تمويله صعود تيار إرهابى كالإخوان، وتبدو إجاباته داعمة لفكرة غربية أساسية ضاربة فى جذور تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب، مفادها استغلال العورات التى تميز شعوباً يمكن حكمها ولو عن بُعد، عليك أن تدرك أن الاستثمار الأمثل لها فى استراتيجيات صراع أهل الثقافات والحضارات، يتجسد فى تجنيد طوابير أبعد من "الخامس" تجعل الصراع على الوجود لا الحدود.


وبنظرة خاطفة على ظروف تاريخية مشابهة، تكتشف تطابق مواقف نفس البلدان الغربية من العالم العربى، فالحملات الأوربية ذات الطابع الدينى الموجهة من الكنيسة فى روما، كان بقاء أباطرتها على عروشهم مرهون برضاء البابوات أو قرارات الحرمان، حيث كانت أوربا كلها تسعى إلى علاج أزماتها وستر عورات زعاماتها السياسية والدينية الفاشلة فى تقديم حلول حقيقية لأزمات شعوبها، اللهم سوى إصدار أوامر بالهجرة والغزو لبلدان "العسل واللبن"، ولو على حساب دماء مسيحيين مثلهم فى القسطنطينية وبيت المقدس وغيرهما.

بينما كانت عورات العالم العربى "الإسلامى" كاشفة للتشرذم والتناحر وتوريث الأفكار الاستبعادية قبل العروش ذاتها، ومانعة لفكرة النضال الشعبى بغير قائد أوحد، رغم أن التاريخ تصنعه الشعوب غالباً وينسب إلى الحكام دون خجل من كُتابه.

فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، تلك البلدان التى باشرت الدعوة إلى موقف أوربى موحد من حكومة مصر وجيشها المحارب لتنظيم إرهابى دولى بالمعنى المعاصر ومتشابهاته فى القرون الوسطى، عُدْ إلى مواقف أباطرتها وملوكها من دعوات بابوات الكنيسة، قبل أن تنتقل البابوية إلى صورتها السياسية المعاصرة متجسدة فى الرئيس الأمريكى.

وتخيل معها حالة الولع الفرنسى بالدبلوماسية الناعمة المتقلبة المحتقِرة للعرب والأفارقة، وأجمعها بتجربتى بونابرت 1798 – 1801 ولندن ضد مصر لصالح السلطان التركى 1940، ومتشابهاتها مع أراجوز الاتحاد الأوربى المعاصر أردوغان، مروراً بجرائم بلاده بحق الأرمن والأكراد.

ثم تابع عقدة الألمان "المفيرسة" رءوسهم بهولوكوست مجنونهم شبيه المعزول المصرى والتى تدفع عنها المليارات من أموال شعبها والعشرات من التنازلات السياسية والخرس الدبلوماسى أمام إسرائيل الآمنة على وجودها بتحول صواريخ حماس ورصاصهم إلى أراضى وصدور المصريين.

واسترجع قليلاً فساد الذمم المتوارث فى حكام روما وحكماء عقيدتها وشُح نتاج فعلها الدبلوماسى وغياب عطائها الإنسانى للعالم بعد موسولينى وفى حضرة بيرلسكونى، وتوقف لحظات طويلة أمام انتهازية وإجرام دولة الاستعمار العظمى العجوز السائرة كالنعجة فى ذيل الكلب الأمريكى الأعوج مرة باتجاه العراق مع "بليرها" وثانية ضد حقوق الإنسان مع مُنْكِرها "كاميرون".

هات ما لدى هؤلاء وأولئك من أدوار فى صناعة وبناء أحلاف الخراب بالمنطقة، وجرائمهم بحق شعوبها حينما جعلوا من أراضيها ساحات اقتتال دولى فى حربين عالميتين ثم حولوا حضارات بلدانها وآثارها فى العراق وسوريا إلى خرابات لمداواة جروح النقص فى جسد السيد الأمريكى الوليد عديم التاريخ، لتتأكد أن عوراتهم تحرك سياساتهم وعوراتنا تحقق مطامعهم.

ولأن عوراتنا الأزلية والمعاصرة كعرب ومسلمين تجسدت فى حملة الكتب السماوية والسلاح بحثاً عن السلطة، ولأن بيننا تنظيماً دولياً ترتبط أفكاره ومصالحه بالإبقاء على عيوبنا، كان الاستثمار الغربى فى جماعة الإخوان ومن على شاكلتها، تدمر اقتصاداً وتمحو حضارة وتخلق الفتن وتقتل المسيحيين وتحرق كنائسهم دون إدانة لأبناء ديانتهم فى الغرب.

أعتقد أن للجيوش بعد مهاترات الساسة كلمتها الحاسمة، بعد أن غابت باترسون وتوارى كيرى وجراهام وطلت علينا ميركل وآشتون بصحبة أوباما بزى تركى وصوف إنجليزى وعطر فرنسى وبرمجة ألمانية وريجيم إيطالى، مدافعين بالشوكة والسكين عن أشباه بن لادن ورثة البنا مرتدى العقال القطرى، وأصبح الموقف الدولى بمقارنة بسيطة مع مواقف عربية مشرفة صدرت عن الإمارات والسعودية، يؤكد ببساطة حقيقة أن الشرق سيظل شرقاً والغرب غرباً ولا يمكن أن يتقابلا.
الجريدة الرسمية