طوفان الأسعار.. الرقابة الحاضر الغائب فى فوضى الأسعار.. الأجهزة الرقابية تعانى من تضارب الاختصاصات.. والأسواق “سداح مداح” خبراء: الارتفاعات تحدث بشكل مخيف.. ويجب تطبيق الطوارئ
يصارع المواطن المصرى منذ أكثر من عامين فى مواجهة طوفان الأسعار، الذى كاد يغرق الفقراء والطبقة المتوسطة على السواء فى ظل ضعف الرقابة على الأسواق، وفشل خطط الحكومة فى كبح جماح الانفلات السعرى الرهيب والتصدى للمحتكرين، ولا أحد يعرف متى يتوقف جنون ارتفاعات الأسعار.
تاريخ مصر مع أزمة الغلاء قديم جدا، وفى العصر الحديث يمتد لقرابة 100 عام وتحديدا منذ العشرينيات من القرن الماضى وحتى الآن حيث مرت البلاد بالكثير من الأزمات التى حاولت الحكومات المتعاقبة التصدى لها، بعضها نجح فى ذلك والبعض الآخر فشل وتسبب فى انتفاضة شعبية.
«فيتو» فى هذا الملف تفتح ملف طوفان الأسعار مرة أخرى خاصة مع وصول أسعار الخضروات ومن بينها الطماطم والبطاطس والبصل لأرقام قياسية تاريخية وغير مسبوقة، بخلاف أسعار العديد من السلع الغذائية وغير الغذائية الأخرى.. وتحاول تحليل أسباب هذا الجنون ومدى مسئولية الحكومة عن فوضى الأسواق.. فإلى التفاصيل:
ارتفاع غير مسبوق فى أسعار السلع الغذائية تشهده الأسواق المصرية وسط تصريحات من رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، ببذل الدولة أقصى الجهود لضمان استقرار الأوضاع وتوفير الاحتياجات الاستراتيجية اللازمة لتأمين مصر فى ظل هذه الظروف الاستثنائية، مع تصاعد دائرة الصراع والتوترات الأخيرة فى لبنان، معلنا العمل وفقا لسيناريوهات محكمة لجميع الاحتمالات، بما فى ذلك السيناريو الأسوأ.
ويتساءل خبراء الاقتصاد عن دور الأجهزة الرقابية، حيث أجمعوا على ضرورة تطوير أداء تلك الأجهزة لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية والسيطرة على ارتفاع الأسعار، وتطبيق القانون تجاه التجار الذين يمارسون ممارسات غير قانونية بالمغالاة أو الاحتكار.
ويوجد فى مصر عدد من الأجهزة الرقابية تستعين بها الحكومة لضبط الأسعار والرقابة على الأسواق أبرزها: جهاز حماية المستهلك، والذى يهدف إلى حماية المستهلك وصون مصالحه، والتعاون مع الأجهزة الرقابية فى ضبط الأسواق، والتصدى لأى مخالفة لأحكام القانون، ويمتلك أعضاؤه حق الضبطية القضائية.
جهاز حماية المنافسة، وهو جهاز مستقل لحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية يتولى مراقبة الأسواق وفحص الحالات الضارة بالمنافسة سواء بناء على شكوى يتقدم بها الشخص أو بناء على دراسة يبادر بها الجهاز تشير إلى وجود مخالفة للأحكام الواردة فى القانون.
الإدارة العامة لشرطة التموين والتى تتبع وزارة الداخلية، وتعمل على تنفيذ العديد من الحملات التموينية المكبرة لضبط الجرائم التموينية، وتعلن بشكل شبه يومى عن ضبط الآلاف من القضايا المتصلة بالأمن الغذائى والأسعار.
وعلى الرغم من تعدد الأجهزة الرقابية فإن المواطن لا يشعر بوجودها، ولم تتمكن من السيطرة على الأسواق ومنع مغالاة التجار فى تسعير بعض السلع، والتصدى للممارسات الاحتكارية.
تضارب اختصاصات
بدوره، قال عبد المنعم خليل رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين سابقا، إن هناك تضاربا بين اختصاصات الأجهزة الرقابية، ولا يؤدون المهام المنوط بها وفقا للقوانين الحاكمة لكل جهاز.
وأضاف أن هناك أكثر من 17 جهة رقابية، أهمها قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين، وجهاز حماية المستهلك وقطاع الرقابة بوزارة الصحة وهيئة سلامة الغذاء والهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة والرقابة الصناعية بوزارة التجارة والصناعة ومباحث التموين وغيرها من الأجهزة الرقابية كل منها يعزف منفردا، وعدم وجود أى تنسيق فيما بينهم فى ضبط الأسواق، لافتا إلى ضرورة العمل تحت مظلة واحدة يتم محاسبتها على الرقابة على الأسواق فى حالة التقصير.
وطالب “خليل” بضرورة تطوير المجمعات الاستهلاكية ليس فى شكل المجمع فقط، وإنما فى آلية عرض السلع وأسلوب العاملين فى البيع والتعامل مع الجمهور، وخلق قدرة تنافسية بين المجمعات الاستهلاكية والسوبر ماركت، فضلا عن طرح سلع منافسة ذات جودة عالية، وليست السلع التموينية المعروضة التى يعزف المواطنون عن شرائها بسبب تدنى جودتها.
وأشار إلى أن هناك ضعفا شديدا فى الرقابة من جانب مديريات التموين، بسبب نقص عدد المفتشين، وعدم وجود كفاءات مدربة على الرقابة على الأسواق، والإلمام بالقوانين الرقابية.
غياب الرقابة
أما الدكتور السيد خضر الخبير الاقتصادي، فأوضح أنه لا يوجد رقابة على الأسواق فى مصر، وكشفت الأزمات الأخيرة ذلك، فأسعار السلع تزيد بشكل مبالغ فيه، وجميع الأجهزة الرقابية وعلى رأسها جهاز حماية المستهلك، وحماية المنافسة وكذلك الأجهزة التابعة لوزارة التموين لا تستطيع إحكام السيطرة على ارتفاع السلع الاستراتيجية.
وطالب الدكتور السيد خضر بضرورة تطبيق قانون الطوارئ فى تلك الأزمات على محتكرى السلع الأساسية الإستراتيجية، بعد أن أصبح شعار التجار “صنع الثروات وقت الأزمات”، وهو هدفهم الوحيد، بدلا من الوقوف بجانب الدولة لتحقيق التوازن فى ظل الأزمات الاقتصادية التى تشهدها البلاد والصراعات الخارجية.
واستبعد “خضر” فكرة تطبيق التسعيرة الجبرية على السلع، لعدم ملائمتها للسوق المصري، مطالبًا بضرورة فتح باب الاستيراد – كحل مؤقت – للسلع التى يرتفع سعرها بشكل مبالغ فيه، لإتاحتها فى الأسواق وخلق تنافسية أكبر بين التجار يصب فى صالح المستهلك، لتخطى تلك الأزمات والارتفاع “المخيف”، مع منح حوافز للمزارعين، وزيادة المساحة المنزرعة لتجنب الأزمات المتكررة.
دور الأجهزة الرقابية
الأمر ذاته، أكدته الدكتورة سعاد الديب رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك، موضحة أن الأجهزة الرقابية عاجزة عن أداء دورها، وكل ما تفعله رصد الأسعار والتأكد من وضع السعر على المنتج فقط، وعدم وجوده يعتبر مخالفة.
وأكدت على ضرورة تشكيل لجنة لتحديد الأسعار طبقًا لتكلفة كل سلعة، مؤكدة على عدم وجود آلية يستطيع بها الجهاز الرقابى التأكد من مصداقية الأسعار على السلع، وإذا ما كان هناك جشع تجار وارتفاع سعر السلعة، فالمتاح فقط هو ضبط التجار الذين يحتكرون أو يخزنون السلع لرفع أسعارها والتعامل معهم.
وأوضحت أن الحلقات الوسيطة لكل سلعة أدت إلى وصولها المستهلك بأضعاف سعرها، وسبق أن طرحت فكرة تقليل عدد الحلقات الوسيطة فى السلع، وعلى سبيل المثال، سلعة الطماطم تصل إلى المستهلك بسعر50 جنيها، بينما سعرها فى سوق العبور لا يتعدى 15 جنيها، ولكن لو هناك لجنة تقييم السلعة لوضع السعر المناسب للمستهلك ويكون معلنا، سيؤدى إلى حل أزمة ارتفاع الأسعار وعدم استغلال المواطن، وحتى يكون للجهاز الرقابى آلية يستند إليها فى المراقبة على أسعار السلع.
وأشارت إلى ضرورة إصدار تشريع قوى لتقييم الأسعار تستند إليه الأجهزة الرقابية فى الرقابة على أسعار السلع، وليست لرصدها فقط، كالمادة (10) من قانون حماية المنافسة، والتى ينص على أنه “يجوز بقرار من مجلس الوزراء تحديد سعر بيع منتج أساسى أو أكثر لفترة زمنية محددة وذلك بعد أخذ رأى الجهاز، ولا يعتبر نشاطا ضارا بالمنافسة أى اتفاق تبرمه الحكومة بقصد تطبيق الأسعار التى يتم تحديدها، مؤكدة أن التاجر يضع السعر المربح له دون النظر إلى المواطن، ولا تستطيع الأجهزة الرقابية ردعه لعدم وجود تشريع يحكم ذلك.
مبادرة خفض الأسعار
من جانبه، قال حاتم النجيب، نائب رئيس شعبة الخضراوات والفاكهة باتحاد الغرف التجارية، إنه تم توقيع مبادرة بين وزارة التموين والتجارة الداخلية مع الغرفة التجارية فى القاهرة ممثلة فى شعبة الخضراوات والفاكهة، لطرح الخضراوات والفاكهة فى أكثر من 150 منفذا تابعا للشركة القابضة للصناعات الغذائية.
وأكد “النجيب”: إن الهدف من المبادرة طرح الخضراوات والفاكهة من المزارع إلى المواطن مباشرة دون وجود حلقات تداول بأسعار منخفضة، مضيفا أن مشاركة القطاع الخاص مع الشركة القابضة فى طرح الخضراوات والفاكهة سيؤدى إلى إحداث توازن فى السوق، فضلا عن عمل تلك المنافذ 24 ساعة أمام الجمهور مع وجود متخصصين للتعامل مع الجمهور فى بيع الخضراوات والفاكهة، وذلك لردع أى تاجر يحاول رفع الأسعار أو احتكار السلع.
وأضاف أن درجات الحرارة أثرت سلبيا هذا العام على المنتجات الزراعية، فضلا عن ارتفاع أسعار مستلزمات وخامات الإنتاج عالميا، بالإضافة إلى فروق العروات الموسمية، مؤكدًا انتهاء أزمة ارتفاع أسعار الخضراوات خلال 20 يوما، مع استمرار مبادرة خفض الأسعار على مدار العام لمحاربة الغلاء.