رئيس التحرير
عصام كامل

طوفان الأسعار.. جنون الغلاء إلى أين؟.. أزمة الدولار أحد الأسباب.. وخبراء: الرقابة والقضاء على عشوائية التسعير طوق نجاة

غلاء الأسعار، فيتو
غلاء الأسعار، فيتو

يصارع المواطن المصرى منذ أكثر من عامين فى مواجهة طوفان الأسعار، الذى كاد يغرق الفقراء والطبقة المتوسطة على السواء فى ظل ضعف الرقابة على الأسواق، وفشل خطط الحكومة فى كبح جماح الانفلات السعرى الرهيب والتصدى للمحتكرين، ولا أحد يعرف متى يتوقف جنون ارتفاعات الأسعار.


تاريخ مصر مع أزمة الغلاء قديم جدا، وفى العصر الحديث يمتد لقرابة 100 عام وتحديدا منذ العشرينيات من القرن الماضى وحتى الآن حيث مرت البلاد بالكثير من الأزمات التى حاولت الحكومات المتعاقبة التصدى لها، بعضها نجح فى ذلك والبعض الآخر فشل وتسبب فى انتفاضة شعبية.


«فيتو» فى هذا الملف تفتح ملف طوفان الأسعار مرة أخرى خاصة مع وصول أسعار الخضروات ومن بينها الطماطم والبطاطس والبصل لأرقام قياسية تاريخية وغير مسبوقة، بخلاف أسعار العديد من السلع الغذائية وغير الغذائية الأخرى.. وتحاول تحليل أسباب هذا الجنون ومدى مسئولية الحكومة عن فوضى الأسواق.. فإلى التفاصيل:

 

من الذهب إلى السكر إلى الأرز، مرورا بالخضار والفاكهة واللحوم ومنتجات الألبان، تشهد الأسواق موجة عنيفة من ارتفاعات الأسعار بنسبة تخطت 400%، فى بعض السلع خلال العام الأخير وطالت الأزمة كل بيت مصرى بمختلف الطبقات.


بالتزامن مع ذلك، تحركت الحكومة فى أكثر من اتجاه، زاد من الأعباء المالية، مثل تحريك أسعار تذاكر المترو والكهرباء وخدمات الإنترنت خلال أول أيام العام الحالى ومرورا بارتفاع أسعار الكهرباء والسولار والفواكه والخضراوات، وهذا أعاد السوق إلى المربع “صفر”، وتشير التوقعات إلى استمرار ارتفاع الأسعار فى ظل شح العملة الصعبة وقيام عدد من كبار التجار بالسيطرة على بعض السلع.


وفى هذا السياق، قالت الدكتورة يمن الحماقى خبيرة الاقتصاد، إن جميع الأزمات المتعلقة بالسلع فى مصر مرتبطة بشكل مباشر باستمرار توسع ظاهرة الاحتكار.


وتابعت بأن الأزمة ليس لها علاقة بما يشهده سوق الصرف أو الارتفاع الكبير فى سعر صرف الدولار، وإن كان لها علاقة غير مباشرة، ولكن الأزمة الحقيقية فى قيام عدد كبير من كبار التجار بتخزين كميات ضخمة من السلع لتعطيش السوق وبيعها بأسعار تقترب من ضعف السعر الرسمي، وهو ما يتطلب وجود رقابة قوية على السوق.


وأشارت الحماقى إلى أن عدم قدرة الحكومة المصرية على الرقابة والتفاعل مع السوق أحد أهم أسباب ارتفاعات الأسعار، حيث لم تتمكن الحكومة من القضاء على سيطرة بعض التجار على عدد مهم من السلع الأساسية والاستراتيجية، ما تسبب فى موجات من الزيادات، مطالبة بضرورة تفعيل الرقابة الإيجابية للحد من الزيادات العشوائية فى الأسعار، مشيرة إلى أن السوق المحلى لن يشهد أى تراجع فى الأسعار قبل إحكام الرقابة والقضاء على عشوائية التسعير والزيادات غير المنطقية التى يفرضها كبار التجار والمصنعين على السلع والمنتجات.


من جانبه قال الدكتور هانى أبو الفتوح الخبير الاقتصادى، إن أحد الحلول لإحكام السيطرة على الأسعار فى السوق هو الاتجاه الحالى إلى التحول من نظام الدعم العينى إلى النظام النقدي، ولكن بشروط وآليات معينه تضمن نجاح هذا التحول، حيث إنها خطوة إستراتيجية نحو تحقيق كفاءة اقتصادية أكبر فى توزيع الدعم الحكومى وتحقيق العدالة الاجتماعية بشكل أكثر فعالية.


وأوضح أن أحد أبرز المكاسب الاقتصادية فى محاولة ضبط الأسعار فى الأسواق يأتى بالتوازى مع التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى هو تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، حيث إنه فى نظام  الدعم العينى، يتم توزيع السلع المدعومة بشكل غير متساوٍ، مما يؤدى إلى إهدار جزء كبير من الموارد على الفئات غير المستحقة على العكس من ذلك، يمكن توجيه المستحقات النقدية مباشرة إلى المستفيدين، مما يضمن وصول الدعم إلى الفئات الأكثر احتياجًا.


وتابع أبو الفتوح بأن التحول من العينى إلى النقدى يسهم فى تحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية وضبط الأسعار بشكل أكبر، حيث يصبح المستفيدون قادرين على استخدام الأموال الممنوحة لهم لتلبية احتياجاتهم الفردية، بالإضافة إلى ذلك، فإن التحول إلى الدعم النقدى يمنح الأفراد حرية اختيار السلع والخدمات التى يحتاجونها بالفعل.


وأكد “أبو الفتوح” أنه ليس فقط ضبط الأسعار، ولكن التحول إلى الدعم النقدى يمكن أيضًا أن يلعب دورًا كبيرًا فى تحفيز الاقتصاد من خلال إعطاء المستفيدين حرية الإنفاق، ويتم تشجيع الطلب على السلع والخدمات، مما يعزز الاستهلاك الداخلى ويسهم فى دفع عجلة النمو الاقتصادي، كما أن هذا التحول يسهم فى تقليل فرص الفساد التى كانت مرتبطة بتوزيع السلع العينية، حيث يتم التحويل المالى بشكل مباشر، مما يقضى على الفساد ويقلل من البيروقراطية.


وطالب أبو الفتوح بوضع آليات دقيقة لتنفيذ خطة التحول إلى الدعم النقدى لفرض السيطرة على الأسواق وضبط الأسعار لتحديد المستحقين، والدقة فى تحديد الفئات المستحقة للدعم أمر مهم لضمان تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية المرجوة، مشيرا إلى أنه من الضرورى الاعتماد على قواعد بيانات شاملة وموثوقة لتحديد الأسر الأكثر احتياجًا بناءً على معايير موضوعية مثل الدخل والوضع الاجتماعي، بالإضافة إلى أنه  يجب تطوير بنية تحتية قوية لدعم النظام الجديد، مثل إنشاء أنظمة دفع إلكترونية فعالة وآمنة تضمن وصول الدعم المالى إلى المستفيدين بسهولة وبدقة.

الجريدة الرسمية