توفيق الحكيم.. ما تيسر من حكايات أديب البرج العاجي.. أثرى المكتبة العربية بـ100 مسرحية و62 كتابًا.. وكواليس تدخل الرئيس لإلغاء قرار فصله
توفيق الحكيم (1898- 1987) كاتب وأديب ومفكر مصري كبير، عرف براهب الفكر والروائى البخيل وأديب البرج العاجى، هو واحد من أكبر أدباء العرب وأكثرهم شهرة، كاتب مسرحى من الدرجة الأولى، برع في جميع مجالات الفكر وفنون الأدب، وألف أكثر من 100 مسرحية و62 كتابًا، اشتهر بالبخل، وعصا الحكيم، خلف وراءه أعمالا أدبية عظيمة أثرت المكتبة العربية.
ولد في مثل هذا اليوم 9 أكتوبر عام 1898 الأديب الكبير حسين توفيق الحكيم الشهير بتوفيق الحكيم بالإسكندرية، من أسرة ميسورة من الطبقة الوسطى فوالده يعمل فى القضاء، ووالدته من أصل تركى، تخرج توفيق من كلية الحقوق وسافر إلى باريس لدراسة القانون عام 1924، وعندما عاد عمل وكيلا للنيابة ثم تفرغ للأدب والكتابة.
جد متزوج من أربع زيجات
عن حياته الأولى ويوم مولده وعلاقته بوالده من خلال مجموعة حوارات أجراها معه الكاتب جمال الغيطانى فى جريدة الشرق الأوسط وأعادت نشرها مجلة آخر ساعة يقول صاحب البرج العاجي توفيق الحكيم: “لا أعرف شيئا عن طفولة والدى فلم يقص على تفصيلاتها، وكل ما أعرفه أنه كان ابن الزوجة الأولى لجدى الذى كان متزوجا من أربع زوجات، ماتت والدته وأصبح يتيما فى سن مبكرة، كان جدى رجلا متنورا، زامل الشيخ محمد عبده فى الأزهر، ولم يستمر وعاد إلى بلده ليستكمل زراعة الارض التى ورثها عن والده”.
“جاء والدى إلى الدنيا، وعام بعد عام التحق بمدرسة الحقوق، وكان أبى يبدو للناس رجلا وقورا مطيلا فى التفكير متأملا، وكنت أعجب كيف كان لوالدى تواليف وتفانين وفلسفة وأبى الذى عرفته كان أبعد الناس عن هذه الأوصاف، لكن كان شعوره بالواجب كقاض كبير كان لا يلتفت إلا لصوت ضميره مهما كلفه ذلك”.
ولد فى بلد عائلة أمه الإسكندرية
وأضاف توفيق الحكيم: لم يرني والدي يوم ولدت، كان متغيبا في عمله بعيدا في بلدة صغيرة من بلاد الريف، وكان وقتئذ وكيلا لنيابة مركز السنطة، فترك والدتي لتلدني في بلدها وبلد عائلتها الإسكندرية، حيث تتوافر لها العناية اللازمة، وفى شهر أكتوبر بحي محرم بك بمنزل أختها الكبرى ـ خالتى ـ هبطت إلى الدنيا، بعدها بعث زوج خالتي.. أي عديل أبي بخطاب إليه يقول فيه: أرسلنا إليكم اليوم تلغرافا تبشيريا بقدوم نجلكم السعيد فقد رزقتم ولدا فأطمئنكم وأهنئكم، وقد رأيته صباح اليوم ووجدته مثل أبيه لكن بدون شوارب..
والدته اختارت اسم توفيق
يضيف توفيق الحكيم: حتى تسميتى لم يتدخل والدى فيها، فكتب إلى زوج خالتى خطابا يطلب فيه تفويض والدتى في اختيار اسم المولود الجديد، فاختارت أمى اسم حسين توفيق الحكيم، وهذا كل ما أعرفه عن يوم مولدى، ولست أعرف بالطبع عن اللحظة التي ولدت فيها شيئا، وهذا من سوء حظي، فمن سوء حظ البشر جميعا أن نولد في غيبوبة تامة من عقولنا.. ترى ماذا كان يحدث لو أننا واجهنا الحياة بعقول مدركة منذ اللحظة الأولى..
ويتعجب الأديب توفيق الحكيم ويقول: روت والدتي فيما بعد أني هبطت إلى الدنيا في صمت دون بكاء أو صخب، وسألت القابلة لماذا لا يبكي ويصيح ككل المواليد الأصحاء؟ والتفت الجميع ناحيتي فوجدوني أنظر-كما زعموا- إلى المصباح وإصبعي في فمي شأن المتعجب.. ويا له من زعم، قالوا فيما بعد أنى آثرت الصمت بخلا واقتصادا.
وأضاف: كانت أسرة والدتي من أهل البحر ممن أطلق عليهم البوغازية. ويظهر أن أصلهم من الترك أو الفرس أو البانيا لا أدري بالضبط، سحنة والدتي وجدتي ذات عيون زرقاء تنم عن أصل غريب، على كل حال لم أرث أنا ولا شقيقتي هذه الزرقة ولا ما يقرب منها، لأن سحنة والدي الفلاح القح كانت قديرة فيما يبدو على صبغ بحر أزرق بأكمله، وقد ذكرت لي والدتي أن جدها واسمه ميلاد البسطامي من فارس وأنه يمت بصلة إلى أبي يزيد البسطامي الصوفي المعروف. تعلمت هي القراءة والكتابة فتميزت عن أمها وأختها الكبرى وأصبحت أكثر تنوّرا عن كل بنات جيلها.
والده يرفض قراءته للقصص المترجمة
يتحدث الأديب توفيـق الحكيم عن ذكريات صباه ويقول: انتقلت في السنة الثانية الابتدائية من المدرسة المحمدية بالقاهرة إلى مدرسة أخرى بدمنهور، وبدمنهور انقطعنا عن كل فن وتسلية، وهنا بدأ عهد قراءاتي الحقيقية واستغراقي في القصص على نطاق واسع، فجعلت ألتهـم كل ما يقع في يدي من كتب ومجلات، الجيد منها والرديء على السواء، كنت قد اجتزت تلك المرحلة الأولى للقراءة المتعثرة عندما كان الكثير من معاني الكلمات يغمض على، من ذلك كلمة "نص" وكنت أقرأها بضم النون وأفهمها أنها نصف، وعندما أصادف عبارة "ها هو نص الخطاب" ثرت في نفسي وقلت ولماذا نصه نحن نريد الخطاب كله…إلا أن والدي ما كان يرضيه مطالعاتي للقصص المترجمة، وما كان يشجع عليها قط، والويل إذا لمح في يدي رواية منها لأنه كان يريد منى شيئا آخر.
تناقضات كبيرة عاشها
يتحدث الحكيم عن التناقضات التى عاشها فى حياته بين أب صارم وأم غير متعلمة تؤمن بالجن والعفاريت لكنها مسيطرة، مما أثر فى شخصه وفى تصرفاته فيقول: "أورثنى أبى حب الأدب وكان هو نفسه يصدني عن الأدب، والدتي أورثتنى الإرادة وهي تقف دون رغباتي الفنية ومن هنا كان اعتراضى على قيود الحياة فحريتي الباقية لي أذا هي فرصتي الوحيدة وسلاحي الوحيد في مقاومة تلك العقبات، وحريتي في تفكيري، أنا سجين في الموروث وحر في المكتسب، وما شيدته بنفسي من فكر وثقافة هو ملك لي وهو ما اختلف فيه مع أهلي كل الاختلاف".
ويتذكر توفيق الحكيم: أذكر ذات يوم قبل التحاقي بالتعليم الأميري، كان يوم جمعة، وقد ارتدى والدي جلبابه الأبيض المنزلي يقرأ جريدته، وقال لي: تعال امتحنك وناولني كتاب المعلقات السبع ــــ وكان يحبه ــــ وأخرج لى معلقة زهير بن أبى سلمى، وطلب مني أن أقرأها بصوت مرتفع، ولما وصلت إلى البيت الذي يقول (ومن لم يصانع في أمور كثيرة.. يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم)، سألني عن معنى يصانع فلم أوفق في الإجابة، فصفعني على وجهي وأسال الدماء من فمي، أخذتني جدتي من يده وأنا ألعن المعلقات وأصحابها، بل ألعن الشعر كله.. وإلا كيف أن أحب الشعر وبينى وبينه دم مسفوك من فمي؟
وتابع: أيضا كرهت الشعر بسبب أبي، وكرهت السباحة أيضًا بسبب أبي، ذلك أنه في يوم أراد أن يعلمني العوم في الإسكندرية ذات صيف فلم يفعل سوى أن جذبني من يدي إلى حيث يسبح هو في الأعماق دفعة واحدة، ولما أحسست القاع بقدمي ارتعت ارتياعًا شديدًا، فلم يكن في الإسكندرية في ذلك الوقت بلاجًا.. قذفني الموج على الرمال، ومن يومها وأنا لا أعرف البحر إلا وحشا يفترسني.
دراسة الفنون بدلا من القانون فى باريس
تخرج توفيق الحكيم من كلية الحقوق وسافر إلى باريس لدراسة القانون عام 1924 ونيل الدكتوراه فى القانون على نفقة أبيه الذى كان يتمنى أن يعمل ابنه قاضيا، ولأن توفيق لا يميل إلى القانون انشغل بدراسة الفن فى باريس بالقراءة ومشاهدة المسرحيات الفرنسية والتجول بمتحف اللوفر والحوار مع حسناوات باريس، أمضى ثلاث سنوات هناك تشبع فيها من بحر الثقافة الفرنسية الجذابة.
الحكيم فى حماية عبد الناصر
وعندما عاد توفيق الحكيم إلى مصر عين وكيلا للنيابة في الأرياف في طنطا ودمنهور والزقازيق فكتب روايته "يوميات نائب في الأرياف" ثم عين مديرا للتحقيقات بوزارة المعارف، ومديرا لدار الكتب المصرية، لكن تعرض الحكيم للفصل من وظيفته عدة مرات أولها عام 1938 وامتنع فنانو المسرح القومى الذى كان له الفضل فى إنشائه عن مجرد ذكر اسمه وتوقفت عروضه المسرحية وفى عام 1953 تم فصله ثانية بقرار من إسماعيل القبانى وزير المعارف بحجة عزل غير المتعاونين مع الثورة وكان وقتها مديرا لدار الكتب، ولما علم الرئيس جمال عبد الناصر بذلك قال إن وزير المعارف لا يعرف قدر توفيق الحكيم الذى تعلمنا الوطنية من قصته عودة الروح لا يصلح لشغل وظيفته كوزير، وكانت النتيجة استقالة وزير المعارف.
تفرغ توفيق الحكيم للأدب وكتابة القصة والرواية والمقالات الأدبية في أخبار اليوم، ثم انتقل عضوا بمجلس إدارة جريدة الأهرام ثم رئيسا شرفيا لها عام 1981، وأخيرا كاتبا متفرغا بالأهرام.
نقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصد مستمر علي مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.