رئيس التحرير
عصام كامل

الصوفية والإخوان.. فصول من العداء.. حسن البنا حاول الاستحواذ على عدد من منتسبيها وضمهم لجماعته.. التضارب الصارخ فى المسائل العقائدية والفقهية قتل المشروع فى مهده

 الصوفية والإخوان,
الصوفية والإخوان, فيتو

خلال الأسبوع الماضي، تعرضت الفكرة الصوفية إلى ضربات مركزة سواء ممنهجة أم لا، بسبب ما أثير عن وقائع تحرش لأحد المشايخ الذي يتبعه عدد كبير من «كريمة المجتمع»، فنانين ومثقفين وأدباء، كما تبين من خلال لقاءات الرجل خلال محاولته الدفاع عن نفسه ضعف منهجه العلمي، وسذاجة طريقته فى التعامل مع نفسه وأتباعه بأسلوب أشبه بالإخوان، المرشد والمريد، وكأن فكرة القطيع لا تفارق التيارات الإسلامية من أقصى اليمين لأقصى اليسار.


لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن الإخوان يجمعها بالصوفية علاقة مرتبكة وشديدة العداء منذ نشأة الجماعة وإعلان تأسيسها رسميا فى عشرينيات القرن الماضي، بعد أن فشل حسن البنا، مؤسس التنظيم فى الاستحواذ على الصوفية وضم منتسبيها إلى صفوف جماعته الوليدة، ويبدو أنه لم يكن يعرف أن التصوف فى واد، والإخوان فى واد آخر، ولم يتوقع أن يتسبب ذلك لاحقا فى إضعاف فكرة الإخوان وضربها فى مقتل.
الصوفية.. نقطة ضعف الإخوان وحسن البنا.


وضع حسن البنا هوية الإخوان الفكرية والدينية على قاعدة فكرة مثالية ـ البعض يراها الوجه الآخر للانتهازية الإخوانية وحب الهيمنة ـ حيث حشر البنا المسلمين من مختلف الاتجاهات تحت شعار جماعته، لكنها أصبحت نقطة ضعف قاتلة، فالجماعة التى أسست باعتبارها «دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، وجمعية علمية وثقافية، وجمعية اقتصادية، وفكرة اجتماعية» على أرض الواقع لم تصبح كذلك بل دخلت فى عداء شرس مع الصوفية من جانب، والسلفية من جانب آخر، لأن البنا والإخوان بأجيالهم المختلفة من بعده، تجاهلوا الهوة الواسعة، والاختلافات الفقهية والعقائدية العميقة بين فكرتهم وبين الصوفية وغيرها من الأفكار الأخرى.


ولا يتوقف التضارب الصارخ بين الإخوان والصوفية على المسائل العقائدية والفقهية فقط، بل أثبتت تجربة ثورات الربيع العربى عام 2011 فى مصر والمنطقة العربية، أن التناقض واسع للغاية أيضا على مستوى رؤية كل طرف للقيم المدنية المتعلقة بالديمقراطية والحكم المدني، أو علاقة الإخوان والصوفية بالمجتمع وقواه المختلفة، سواء مؤسسات القوة المتمثلة فى الجيش والشرطة والقضاء، أو القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني.


ووفقا لأحد أهم الباحثين فى شئون الإخوان حسام تمام، الذى أجرى مراجعات كاملة لفكرة الجماعة قبل رحيله عام 2011 ودونها فى كتب لاتزال من أهم المراجع فى كيفية فهم الجماعة وعلاقاتها بالآخر وخاصة الصوفية «الإخوان تنظيم وليس أيديولوجيا أو منهج فكرى وديني».
يؤكد تمام أن الإخوان لا تملك فكرة متماسكة  تستطيع ضم كافة فئات المجتمع كما حاول مؤسسها، بل هى تنظيم صارم يحمى نفسه ـ الإخوان فقط ـ وليس غيرهم، والتنظيم وحده هو الذى حمى الجماعة من انقسامات مدمرة حدثت فى عقود مختلفة من عمرها بسبب تضارب الأفكار داخلها واتساع عباءاتها ـ كما حدث بعد 2013.


وأكثر ما يؤكد مصداقية حديث حسام تمام، انضمام الصوفية بكل تشكيلاتها إلى التيارات الرافضة للإخوان، والتى طالبت برحيلها عن الحكم، بل يبدو لافتا وبعكس السلفية أن الصوفية بكل أطيافها لم تتواجد إطلاقا على منصة رابعة العدوية، ولم تشارك فى أى فعالية من تلك التى استهدفت بها الجماعة خلخلة نظام الحكم الجديد بعد إسقاطها، وعلى العكس شاركت التيارات والطرق الصوفية فى تأسيس مرحلة ما بعد انتهاء الإخوان، ولمعت قيادتها فى الحياة السياسة والبرلمان، وأقدم علماء الأزهر ورموزه على تأسيس طرق صوفية جديدة، وعادت الروح لما يعرف باسم الصوفية العلمية مرة أخرى.


الإخوان ضد المنهج الصوفي


«الإخوان ضد هذا المنهج»، هكذا يقول سامح عسكر الخبير فى شئون الجماعات الإسلامية، مؤكدا أن الجماعة تعمل وفق منهج حركى سياسى ينظر فى إيمان الناس ويصادر قناعاتهم ويراقب تصرفاتهم ويعاقبهم على ما يقولونه سرا وعلانية، وهذا المنهج ينشر البغضاء والشح بين الناس، فمن نظر فى إيمان الغير لن يعجبه الصغائر قبل الكبائر، وسيعاقب الآخرين على الصغيرة بدعوى أن التساهل فيها مقدمة للتساهل فى الكبيرة.


يوضح «عسكر» أن التصوف لا يناسب الفكرة الإخوانية، ولا يتماشى مع تكوين أنصارها ورؤيتهم للحياة،  لذا يواجه أنصار وأبناء الصوفية حملات ضغط وإرهاب معنوى باستمرار من الإخوان، لأن أحد القيم المفقودة عند الجماعة هو  «حب جوهر النبي»، فالتنظيم لا يعرف فى فلسفته إلا التدين الذى يتسم بالعنف والظاهرية والنفاق بالمظاهر.


ما يقوله سامح عسكر، يتفق معه منتصر حمادة، الباحث المتخصص فى دراسات الإسلام السياسي، ويتعمق فى شرح الخلل بين الإخوان والصوفية فى دراسة نشرها مركز تريندز للبحوث والدراسات، مؤكدا أن التصوف فى المنطقة سواء فى الساحة المصرية أو المغربية أو السودانية وغيرها، أصيل وعريق قبل ظهور المشروع الإخواني، لأن العمل الصوفى قائم منذ قرون مضت.


ويوضح حمادة أن الفكر الإخوانى لا علاقة له بالتديّن والتراث الصوفى الذى لا يؤمن ولا يروّج لأدبيات الحاكمية والجاهلية والبيعة وباقى الأدبيات التى تحدد ملامح المشروع الإخواني.


ويشدد الباحث فى دراسته على أن التديّن الإخوانى لا يمكن أن يلتقى مع الصوفى، والتاريخ لم يوثق ظهور أى تيار أو جيل إخوانى تأثر بالتصوف وكذلك العكس، لم يضبط أى تيار صوفى تأثر بالإخوان، موضحا أن كلا من الإخوان والصوفية خطان مستقيمان فى التديّن ولا ولن يلتقيا أبدا.


ويؤكد حمادة أن انضمام أى صوفى للإخوان كما تزعم الجماعة أنها حقيقة صوفية، يعنى خروج المتديّن الصوفى عن التربية الصوفية، والعكس كذلك، فإيمان أى إخوانى بالمنهج الصوفى، يعنى خروج الإخوانى من عباءة الإخوان.


على جانب آخر، يرى الدكتور حسن حماد، أستاذ الفلسفة بجامعة الزقازيق، أن البعض يرى فى التصوف فضاء روحيًا جديدًا يعثر فيه على قدر من الحرية والاستقلال من وصاية المتشددين.


ويفرق حماد بين الصوفية والطرق الصوفية، فالأخيرة من وجهة نظره قد تلتقى مع بنية جماعات الإسلام  السياسي، خاصة أن كليهما يتأسس على ثنائية الشيخ والمريد، والسمع والطاعة، وتغييب العقل، والتعصب للجماعة أو الفرقة التى ينتمى إليها.


ومع ذلك يعدد أستاذ الفلسفة الفروق العريضة بين الطرق الصوفية والإخوان، فالأولى لا تتشدد فى ممارسة الطقوس لأن لها طقوسها الخاصة، فضلًا عن ابتعادها عن الممارسات العنيفة المعروفة بها الإخوان وسائر تيارات الإسلام السياسي، موضحا أن الطريقة تقوم على تقديم الدفء والإحساس بالأمان والطمأنينة والخلاص من القلق والوحشية التى تملآ جنبات الواقع، وليس أكثر.

الجريدة الرسمية